السياسية الفلسطينية متفقة إلى حد كبير بشأن الموقف من الصهيونية ، فإنها لم تكن كذلك بالنسبة إلى بريطانيا. ولعل في الرأيين اللاحقين ما يعبر عن هذا الافتراق في وجهات النظر. فقد كتب صبحي الخضرا ـ من حزب الاستقلال العربي ، الذي راح يحرض ضد الانتداب (جريدة «الجامعة العربية» ٣ آب / أغسطس ١٩٣٠ م) ـ مقالا بعنوان «بريطانيا أصل الداء وأساس كل بلاء» ، جاء فيه : «بريطانيا وحدها المسؤولة عن جميع ما أصابنا من النكبات. وما الصهيونية إلا واحدة منها ، بل إن شرّ المصائب وداهية النوائب هي هذه الحكومة الإنكليزية نفسها. إنها اعتداء صارخ على أقدس حقوقنا ، إنها ليست انتدابا ولا حماية ، بل هي حكم إنكليزي استعماري مباشر فوق العرب والمسلمين في هذه البلاد العربية المقدسة.»
واندفاع الاستقلاليين من القوميين العرب ، والمتحمسين من جيل الشباب في الحركة الوطنية ، المتأثرين بالمزاج الشعبي الساخط ، وبالتالي الداعين إلى مقاومة الانتداب باعتباره احتلالا عسكريا مباشرا ، ومدخلا لإقامة الدولة اليهودية ، سبب إحراجا للجنة التنفيذية التي لم تكن متحمسة لفتح الصراع مع بريطانيا. وقد عبّر جمال الحسيني ، المقرب من الحاج أمين وموسى كاظم الحسيني ، عن موقف تلك اللجنة (٢ آذار / مارس ١٩٣١ م) بقوله : «إن القضية الفلسطينية ذات صبغة تختلف عن بقية القضايا الوطنية العربية. إذ لدينا في فلسطين خصمان : الأول الخصم الصهيوني ، وهو الذي يسعى سعيا حثيثا لاستيطان فلسطين وإخراج العرب منها ، وهذا خطر مفاجىء لا يمكن الصبر عليه ، وهو خاص بفلسطين .. أمّا الخطر الاستعماري وهو الثاني فإن المستعمرين يقولون بموجب صك الانتداب المعمول به والذي رفضته الأمة ، إنهم في هذه البلاد وقت محدود ، فلذلك اتجهت الأمة للخطر المفاجىء ، وهو الخطر الأكبر ، وأجّلت السعي لدفع الخطر الآخر بصورة جدية ... إن جهود الأمة بعد القضاء على الصهيونية ستنصرف إلى إنهاء الانتداب وضم فلسطين في حلف عربي وافقت عليه جميع الأمم العربية.» (١)
فاللجنة التنفيذية المنبثقة من المؤتمر السابع سنة ١٩٢٨ م ، ظلت على العموم متمسكة بقراراته ، وبناء عليه ، تابعت عملها في محاولة إقناع حكومة الانتداب بالعدول عن سياستها المؤيدة للمشروع الصهيوني ، والمبادرة إلى إقامة حكومة وطنية برلمانية ، تنفيذا للحكم الذاتي الوارد في صك الانتداب. وناشدت اللجنة حكومة الانتداب (٣ كانون الثاني / يناير ١٩٢٩ م) «اتباع سياسة رشيدة تخول العرب حقهم في إدارة بلادهم
__________________
(٤٣) المصدر نفسه ، المجلد الثالث ، ص ٥٣٤ ـ ٥٣٥.