الذاتي والموضوعي. فالتطورات الجارية تستلزم فعلا نضاليا مضادا من جانب الشعب الفلسطيني الذي لم تكن أوضاعه العامة تؤهله للقيام بذلك ، ليس لغياب الطاقة ، وإنما لتبديدها في غير سبيلها الصحيح ، وعدم القدرة على حشد الجهد المبذول ، نظرا إلى الصراعات الداخلية. وفي غياب قدرة العدو على الحسم السريع ، فقد استمر الصراع ، ولمواكبته ، الأمر الذي يعتمد إلى حد بعيد على الوضع الذاتي ، افترقت سبل النضال الفلسطيني بين التشدد العفوي والاعتدال الطوباوي.
وعلى هذه الأرضية من تفاقم الأوضاع في فلسطين ، وحالة الانفصام على صعيد العمل الوطني بين الذاتي والموضوعي ، تشكلت عدة أحزاب في بداية الثلاثينات. وعلى العموم ، كثيرا ما كان التباين البرنامجي لهذه التشكيلات الحزبية ، غطاء للصراع القائم بين مؤسسيها بشأن النفوذ والزعامة. وباستثناء مؤتمر الشباب العربي الفلسطيني وحزب الاستقلال ، اللذين تميزا في الطرح السياسي ذي البعد القومي ، فقد غلبت على الأحزاب الأخرى المسحة التقليدية ، وما تنطوي عليه من انحيازات عائلية وعشائرية ومناطقية .. إلخ. فلم تكن الخلافات البرنامجية في الواقع المتفجر تبرر تشكيل أحزاب سياسية منفصلة ، لو لا الخلافات الشخصية ، والتنافس بين الزعماء بشأن النفوذ ومراكز القوة. ولأنها كانت كذلك ، فكثيرا ما أدّت إلى استياء في أوساط الجماهير والرأي العام ، ولم تنجح في استقطاب قاعدة شعبية واسعة ، كما لم تتمتع على العموم بتأييد واسع. وقد أدّت المعارضة لشخصية الحاج أمين الحسيني وزعامته التي راحت تتعزز بعد المؤتمر الإسلامي ، دورا في حفز المنافسين له على تشكيل أحزاب معارضة لهيمنته على الحركة الوطنية. ومن جانبه ، عمد الحاج أمين إلى تشكيل حزب خاص به ، بينما تفرق معارضوه في أحزاب متعددة ، الأمر الذي أضعف فاعليتهم في التصدي له. ولأن المعارضة لم تكن ديمقراطية ، فقد غابت هذه عن العلاقات الداخلية في العمل الوطني الفلسطيني بمجمله.
وتشكل أولا (٤ آب / أغسطس ١٩٣٢ م) حزب الاستقلال على أيدي مجموعة من القوميين العرب ، الذين نشطوا في الجمعيات المناهضة للحكم العثماني ، ونادوا بالاستقلال ، الذي منه اشتق اسم الحزب. وتألفت الهيئة المركزية من عوني عبد الهادي (سكرتيرا عاما) ومحمد عزة دروزة ومعين الماضي وصبحي الخضرا ورشيد الحاج إبراهيم والدكتور سليم سلامة وعجاج نويهض وأكرم زعيتر وفهمي العبوشي ، وانضم إليهم لاحقا حمدي الحسيني وحربي الأيوبي. وكان الحزب نخبويا ، ومؤسسوه من أبناء العائلات الوجيهة ، ومن قدامى القوميين العرب ، واستمد دعمه من جيل الشباب المثقف من أبناء تلك العائلات ، ومن المتعلمين الذين حققوا نجاحا مهنيا عبر