تحصيلهم العلمي في البلاد والخارج ، بينما جذورهم في الطبقات الوسطى من المجتمع الفلسطيني. كما جذبت عقيدة الحزب العلمانية الوطنيين المسيحيين. ولكونه كذلك ، أولى الحزب اهتماما بالقضايا الفكرية والسياسية ، بغض النظر عن شعبية مواقفه ، واتساع قواعده الحزبية ، وبالتالي فاعليته السياسية ، وواقعية طروحاته جرّاء التطورات على الساحة العربية.
وبمعزل عن تأثير حزب الاستقلال في العمل الوطني الفلسطيني ، فإن وثائقه المهمة تقدم توصيفا عميقا لأزمة هذا العمل في النضال ضد المشروع الصهيوني والانتداب. فبيان تأسيسه يبرر تشكيله بحالة الترهل في الحركة الوطنية الفلسطينية ، والصراعات داخلها ، بعيدا عن جوهر القضايا المطروحة عليها. ولذلك فهو يرمي إلى بناء حزب سياسي ، يناضل ضد الاستعمار بلا مداورة ، ويعمل على نيل حقوق الأمة بإخلاص ونزاهة. وكذلك ، بصرف النظر عن الشرخ بين الذاتي والموضوعي في الواقع المحيط بتشكيل الحزب ، وعن حالة الانفصام بين مضمونه السياسي النظري وشكله التنظيمي ، الذي يفترض به أن يتحمل وزر برنامجه النضالي ، فقد طرح الحزب قضايا مهمة جدا ، وذلك على الصعيدين : القومي العربي والقطري الفلسطيني. فعربيا طرح استقلال الأمة ووحدتها ، مؤكدا على عروبة فلسطين وانتمائها القومي. وفلسطينيا ، دعا إلى التضامن مع الأمة ، والعمل من أجل الاستقلال وإنهاء الانتداب ورفض وعد بلفور ومقاومة الصهيونية ، وإنهاض البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. ويتضح من سيرة الحزب القصيرة ، أن مبادئه لم تترجم في الواقع إلى برامج عمل يومية ، ولم تستند إلى تنظيم قادر على نقلها من حيز النظرية إلى التطبيق العملي ، وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية ، إذ أصبحت الحركة الفلسطينية مستغرقة بالعمل القطري ، وكذلك الحال في الأقطار العربية الأخرى ، التي أصبحت مقسمة تحت الحكم الاستعماري. وبناء عليه ، وجد الحزب نفسه في نهاية سنة ١٩٣٣ م غير قادر على الاستمرار ، فاضمحلّ بالتدريج ، مع أن الأفكار التي طرحها لم تذهب أدراج الرياح تماما.
وفي ٢ كانون الأول / ديسمبر ١٩٣٤ م ، شكّل راغب النشاشيبي حزب الدفاع الوطني ، من الكتلة التي التفت حوله منذ بداية الانتداب ، عندما عينه المندوب السامي رئيسا لبلدية القدس ، بديلا من موسى كاظم الحسيني ، الذي أقيل من منصبه لنشاطه السياسي. وكان قصد سامويل من تعيين النشاشيبي ، أن يشكّل ندّا منافسا للحاج أمين الحسيني ، الذي عيّن بدوره مفتيا للقدس ، ورئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى. وبعد وفاة موسى كاظم (٢٦ آذار / مارس ١٩٣٤ م) متأثرا بالجروح التي أصيب بها في أثناء