تأجيل إرسال وفدهم إلى لندن ، ليذهب من موقع القوة بعد نجاح الإضراب في تحقيق أهدافه. وفي اجتماع لهم في نابلس (٢٥ نيسان / أبريل ١٩٣٦ م) ، توصلوا إلى تشكيل لجنة عربية عليا ، من عشرة أعضاء ، يمثلون القوى والأحزاب كافة لقيادة النضال الوطني وإدارة الإضراب العام. وانتخب الحاج أمين الحسيني رئيسا لها ، وعوني عبد الهادي أمينا للسر ، وضمت في عضويتها جمال الحسيني وألفرد روك وراغب النشاشيبي ويعقوب فراج وحسين فخري الخالدي وعبد اللطيف صلاح ويعقوب الغصين وأحمد حلمي عبد الباقي (مستقل). وتعهد الزعماء بإيقاف النشاط الحزبي ، وقررت اللجنة العليا «الاستمرار في الإضراب العام إلى أن تبدل الحكومة سياستها المتبعة في فلسطين تبديلا أساسيا تظهر بوادره في وقف الهجرة اليهودية.» وفي حال عدم استجابة الحكومة للمطالب العربية حتى ١٥ أيار / مايو ١٩٣٦ م ، فستعلن عصيانا مدنيا ، وبدء عمليات مقاومة عنيفة ضد الحكومة والاستيطان الصهيوني.
وبينما عززت الوحدة الوطنية موقع القيادة السياسية ، فإنها صلبت القاعدة الجماهيرية أيضا. فاجتاحت البلاد موجة من الحماسة والتفاؤل بالنصر ، كما عمّها الإضراب العام والاستعداد للتضحية ، وتنامي الروح الكفاحية ، وتحدي أوامر السلطة وعقوباتها الجماعية القاسية. ومنذ صباح الاثنين بتاريخ ٢٠ نيسان / أبريل ١٩٣٦ م ، وبعد انتشار أخبار الصدامات الدموية في منطقة يافا ـ تل أبيب ، عمّ الإضراب جميع نواحي فلسطين بصورة تلقائية. واتخذ الإضراب طابع الشمول ، فطال جميع مرافق الحياة وأصابها بالشلل ، كما ترافق مع تظاهرات ضخمة وعنيفة ، شاركت فيها جميع قطاعات الشعب. وتشكلت لجان متعددة في كل مدينة لضمان حسن تنفيذ الإضراب ، وتوفير مستلزمات صمود الناس فيه. وكان أكثر المرافق الحكومية تضررا من الإضراب ميناء يافا ، الذي توقف العمل فيه طوال فترة الإضراب التي دامت ستة أشهر. لكن الحكومة لم تستجب للمطالب العربية ، فعمدت اللجنة العليا إلى التصعيد ، وفي اجتماعها بتاريخ ٨ أيار / مايو ١٩٣٦ م ، دعت السكان إلى الامتناع من دفع الضرائب فاستجاب هؤلاء للدعوة. وفي المقابل ، فرضت الحكومة قانون الطوارىء ، بما ينطوي عليه من أحكام تعسفية بالإعدام والسجن الطويل والعقوبات الجماعية ونسف البيوت وإتلاف الممتلكات والمزروعات .. إلخ. وفي هذه الأثناء ، كانت مجموعات مسلحة قد بدأت تمارس نشاطها بعمليات إغارة على المستعمرات اليهودية ومرافق الحكومة وغيرها.
وكانت العمليات الأولى لتلك المجموعات المسلحة موجهة ضد المستعمرات ،