التي تولت قوات الأمن الحكومية الدفاع عنها ، وبالتالي تصدت للاشتباك مع العصابات الفلسطينية. وسريعا تحوّل الثوار إلى مهاجمة قوافل السيارات على الطرق ، فعمدت قوات الأمن لمواكبتها ، فاحتدمت الاشتباكات بين تلك القوات والثوار. كما بدأت عمليات في المدن ، استهدفت المتاجر والمرافق والأشخاص ، فاستنفرت قوات السلطة في المدن ، وأصبحت في اشتباك دائم مع الخلايا المقاتلة. ومن القدس انتشرت هذه العمليات إلى طبرية ويافا وصفد وحيفا وغيرها. وبلغت الاشتباكات ذروتها في شهر آب / أغسطس ١٩٣٦ م ، الذي قتل فيه ٣٠ يهوديا ، من مجموع ٨٠ قتلوا طوال فترة الإضراب ، كما جرح خلالها ٣٩٦. ووقع ١٩٩٦ هجوما على الأشخاص ، و ٨٩٥ على الممتلكات ، وأتلفت ٠٠٠ ، ٢٠٠ شجرة ، وأحرق ٠٠٠ ، ١٧ دونم من المحاصيل ، ووقع ٣٨٠ هجوما على الحافلات والقطارات ، و ٧٩٥ على الشرطة والجيش ورجال الحكومة ، كما ألقيت خلال هذه الفترة ١٣٦٩ متفجرة. (١)
وبقرار الحكومة سحق الثورة بالقوة ، أصبحت المعركة عمليا معها ، ورفضت التراجع والاستجابة للمطالب العربية ، بل على العكس ، أوغل المندوب السامي في تعنته ، فمنح الوكالة اليهودية ٤٥٠٠ تصريح هجرة إضافيا بتاريخ ١٨ أيار / مايو ١٩٣٦ م. وفي اليوم التالي ، افتتح ميناء تل أبيب ، بديلا من ميناء يافا المعطل بفعل الإضراب العام. فتعالت الدعوات التحريضية إلى الانتقال إلى حمل السلاح ضد الحكم البريطاني ، وردّت السلطة باعتقال عدد من المحرضين : أكرم زعيتر وسليم عبد الرحمن وفخري النشاشيبي وحسن صدقي الدجاني ، ونفتهم إلى أماكن متفرقة ، فحملوا الثورة معهم ، واستعرت أكثر فأكثر. وكانت يافا القديمة معقلا للثوار ، لا تجرؤ قوات الحكومة على دخوله ، ومصدر تهديد لأكبر مدينة يهودية ـ تل أبيب ، فاتخذت الحكومة قرارا بتهديمها ، تحت ذريعة «تجميل المدينة». فنسفت فيها ٢٢٠ منزلا ، الأمر الذي أدّى إلى تشريد نحو ٤٥٠ عائلة وزاد في نقمة الجماهير العربية على الانتداب ، فهبت ضد السلطة ومرافقها وموظفيها في كل مكان.
بعد يافا ، ركزت السلطة نشاطها على نابلس والقدس ، حيث كانت الخلايا الثورية نشيطة ، وحشدت لذلك قوات كبيرة ـ ثلاثة ألوية مشاة (تموز / يوليو ١٩٣٦ م).
__________________
(٤٤) مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، وجامعة الكويت ، «الثورة العربية الكبرى في فلسطين ، ١٩٣٦ ـ ١٩٣٩» (الرواية الإسرائيلية الرسمية) ، ترجمه عن العبرية أحمد خليفة. راجع الترجمة سمير جبور (بيروت ، ١٩٨٩) ، ص ٢٦.