وحل الجنود محل الشرطة ، التي امتنع ضباطها وأفرادها العرب من تنفيذ الأوامر ، وخصوصا بعد تهديم يافا القديمة ، إذ راح الكثيرون منهم يتعاونون مع الثوار. وبعد تعزيز القوات العسكرية في المدن ، تحول الثوار إلى الريف ، إذ انضموا إلى العصابات الكثيرة التي كانت تعمل هناك. ولم تكن العصابات موحدة ، فمنها تنظيم القسام ، مثل الشيخ فرحان السعدي الذي عمل في منطقة جنين ، وقبض عليه في قرية نورس ، وحوكم عسكريا وأعدم عن عمر يناهز ٧٥ عاما (١٩٣٧ م). وكانت مجموعة أخرى تتشكل بقيادة المناضل الثوري السوري ، سعيد العاص ونائبه عبد القادر الحسيني ، وعشرات العصابات المحلية ، التي تشكلت حول قيادات محلية ريفية ، أو بتوجيه من اللجان القومية ، التي عملت على تشكيل مجموعة مسلحة في كل قرية ومدينة.
واستهدفت العصابات العاملة في الريف حركة النقل العامة ، والمواصلات السلكية ، فسدّت الطرق بالحواجز الحجرية ، ونسفت الجسور وخطوط السكك الحديدية ، وكذلك خط أنابيب النفط الواصل بين العراق وحيفا. فتحرك الجيش لمواكبة القوافل ، وخصوصا سيارات شركة بوتاس البحر الميت ، وأمعنت السلطة في مطاردة الثوار ، فوقعت بين الجانبين معارك عنيفة ، حقق فيها الثوار انتصارات مهمة. وكانت معركة نور شمس (قرب طولكرم) ، حيث هاجم الثوار (٢١ حزيران / يونيو ١٩٣٦ م) قافلة متوجهة إلى حيفا ، تواكبها حراسة عسكرية ، واستمر الاشتباك سبع ساعات متواصلة ، من أهم المعارك التي ألهبت حماسة الجماهير. وأصبحت هذه الهجمات ظاهرة مألوفة في «مثلث الرعب» ، كما سماه الجنود البريطانيون ، وهو المنطقة الواقعة بين نابلس وجنين وطولكرم. كما وقعت معارك كبيرة في مرج ابن عامر (عين حارود) ووادي عزّون (قرب طولكرم) وباب الواد (قرب القدس) ، سقط فيها العشرات من الثوار العرب والجنود البريطانيين. وأثبتت العصابات المسلحة قدرتها على القتال ، وإرباك أعداد كبيرة من الجيش البريطاني ، وأنها عصية على السحق العسكري كما اعتقد قادة الجيش البريطاني في البداية.
وانتشر الثوار في كل مكان ، وكانت أعمال القمع والعقوبات الجماعية التي تمارسها السلطة تعزز روح المقاومة ، وتدفع بأعداد كبيرة من سكان الريف إلى الالتحاق بالعصابات. وقد سيطر الثوار في آب / أغسطس ١٩٣٦ م على المناطق الجبلية الوسطى في البلاد والجليل ، كما تفيد تقارير حكومة الانتداب. في المقابل ، لجأت الحكومة إلى التدابير العسكرية لقمع الثورة ، ففرضت منع التجول لساعات طويلة كل يوم ، كما شكّلت محاكم عرفية في ظل قوانين الطوارىء ، وفرضت الغرامات المادية الثقيلة والعقوبات الجماعية ، واعتقلت الكثيرين ، وقامت بأعمال