١٩٣٦ م ، فإنها عمدت إلى تعزيز قواتها العسكرية في فلسطين. فاستدعت تيغارت لتنظيم الحرب ضد الثورة ، وحشدت في البلد فرقتين ، اشتملتا على ١٨ كتيبة مشاة وكتيبتي فرسان وكتيبة مدرعات وكتيبة مدفعية ، وجميع الوحدات الملحقة بها. هذا فضلا عن الشرطة والوحدات الليلية الخاصة من الهاغاناه ، والتي تعززت ، وعمل فيها ضباط بريطانيون وعناصر يهودية. وبذلك ، بدأت مرحلة جديدة وحاسمة في الصراع ، يقودها الجنرال روبرت هايننغ ، الذي حل محل ويفل (٩ نيسان / أبريل ١٩٣٨ م).
وفي هذه المرحلة بالذات ، وبعد الطفرة الكبيرة في نشاط الثورة واتساع نطاقها ، بدأت تبرز سلبيات اللامركزية و «الانفلاش» التنظيمي ، بما يرافقه من تدني الانضباط ، في غياب قيادة سياسية موحدة على مسرح الأحداث. لقد صعدت الحكومة البريطانية حدة الصراع بهدف حسمه ، واستطاعت جرّ الثورة إلى التكتيكات التي أرادتها. واستغلت نقاط الضعف في الثورة ، وخصوصا من الناحية التنظيمية والمسلكية. وإذ كانت وحدة الموقف السياسي لا تزال هي السمة البارزة للثورة ، فإن الوحدة التنظيمية راحت تغيب ، ومعها الانضباط ، وخصوصا نتيجة تعذر الإمكان لتوفير مستلزمات الاستمرار في الثورة ، من دون تحميل الجماهير عبئا ثقيلا. وفي النتيجة ، تضافرت عوامل عدة ، موضوعية وذاتية ، وبالأخص تنظيمية وقيادية ، لتجعل الثورة عاجزة عن القيام بالعمل النضالي القادر على مواجهة متطلبات المرحلة الجديدة. وفي غياب الوحدة التنظيمية ، وتدني المسلكية الثورية ، وانعدام الديمقراطية ، سواء في اتخاذ القرار أو تنفيذه ، بدأ التراجع في الثورة. وفي هذه المرحلة بالذات وإزاء التعزيزات العسكرية الضخمة التي وصلت إلى البلاد ، وقبل تهيّؤ أوضاع الثورة ، شكلا ومضمونا ، عمدت إلى مهاجمة المدن ، بهدف السيطرة عليها ، الأمر الذي تمخض عن نتائج سلبية ـ داخليا وخارجيا.
وفي تشرين الأول / أكتوبر ١٩٣٨ م ، وفي أثناء وجود المندوب السامي في لندن ، اتخذ قرار تصفية الثورة الفلسطينية تحسبا لاندلاع الحرب مع ألمانيا ، ونقلت فرقة عسكرية أخرى إلى فلسطين على عجل. ووصف بعض البريطانيين الخطة أنها «احتلال فلسطين عسكريا من جديد ، وإعادة الحكم البريطاني إليها.» ولذلك وضعت البلاد كلها تحت الحكم العسكري ، بينما راحت الحكومة تنشط اتصالاتها لإجراء مفاوضات مع العرب ، الذين كانت تطمع في إبقائهم إلى جانبها في حال نشوب الحرب. وكان من معارك «الاحتلال الجديد» الأولى معركة بني نعيم ، إذ بالتعاون مع «فصائل السلام» ، التي شكلها حزب الدفاع لمساندة قوات السلطة ، أنزل الجيش ضربة قوية بالثوار في منطقة الخليل (٤ تشرين الأول / أكتوبر ١٩٣٨) ، وأصيب عبد القادر الحسيني ، قائد