الثاني / نوفمبر ١٩٣٨ م) ، يعلن تخليها عن مشروع التقسيم. وبرّرت الحكومة هذا الانعطاف بالموقف بما يلي : «بعد إنعام النظر والتدقيق في تقرير لجنة التقسيم ، أظهر هذا التحقيق الإضافي أن الصعاب السياسية والإدارية والمالية التي ينطوي عليها الاقتراح ... عظيمة لدرجة يكون معها هذا الحل للمعضلة غير عملي ، ولذا فإن حكومة جلالته ستواصل القيام بمسؤولياتها في حكم فلسطين بأجمعها.» (١) ولتحقيق التفاهم بين أطراف الصراع في فلسطين ، الذي عادت لتعتبره الأساس الأكثر ثباتا للحل ، قررت الحكومة دعوة وفود من فلسطين والدول العربية والوكالة اليهودية إلى التداول بالمسألة الفلسطينية. وحذرت من أنها ستتخذ قرارها الخاص وتنفذه ، إذا لم تسفر مباحثات لندن عن أي اتفاق.
وفي الواقع ، فإن هذا الانعطاف في السياسة البريطانية ، جاء نتيجة تضافر عوامل متعددة ، وضغوط مورست عليها في مرحلة كان يلوح في الأفق شبح حرب عالمية. فالثورة في فلسطين لا تزال مستمرة ، وحتى في حال قمعها بالقوة ، فلا ضمانة أن البلاد ستخلد إلى الهدوء ، أخذا في الاعتبار تجربة عشرين عاما من الانتداب. ومن الأهمية بمكان ، ما حركته الثورة من ردات فعل في الأقطار العربية والإسلامية التي كانت بريطانيا في أشد الحاجة إلى إرضائها إذا نشبت حرب عالمية جديدة. ولكن في المقابل ، كانت الحركة الصهيونية وما تستطيع حشده من دعم للضغط على حكومة لندن ، سواء في الداخل أو الخارج ، وخصوصا في أميركا. وهذا فضلا عن الحملة الإعلامية التي تقوم بها على الصعيد العالمي ، مستفيدة من السياسة النازية ضد اليهود. وإزاء مجمل هذه العوامل ، وما تصطدم به الحلول المتداولة من عقبات ، كان الحل الأفضل أمام الحكومة البريطانية تأجيل المسألة ، وإبقاء الوضع على حاله ، وتحاشي الإقدام على حلول جذرية ، والاكتفاء بمعالجة الأوضاع الناشئة ، وترك القضية تنضج على نار هادئة.
لقد حركت الثورة الفلسطينية القوى الوطنية في البلاد العربية ، وسببت إحراجا للحكومات بحيث لم يعد سكوتها على القمع الذي تمارسه بريطانيا على الشعب الفلسطيني مقبولا. وعقد في القاهرة المؤتمر البرلماني العربي والإسلامي من ٧ إلى ١١ تشرين الأول / أكتوبر ١٩٣٨ م بدعوة من اللجنة البرلمانية المصرية لدعم فلسطين ، برئاسة محمد علي علوبة. وحضره مندوبون من فلسطين وشرق الأردن وسورية ولبنان والعراق ومصر والمغرب واليمن والهند والصين ويوغسلافيا وأميركا. وتبعه انعقاد
__________________
(٥٠) «الموسوعة الفلسطينية» ، القسم الثاني ، المجلد الثاني ، مصدر سبق ذكره ، ص ١٠٥٢.