الثورة الفلسطينية كانت تضمحل بوتيرة متسارعة ، جاء تحت تأثير التضامن العربي مع الشعب الفلسطيني. وبينما كانت بريطانيا تعد لدخول الحرب مع ألمانيا ، فقد طلبت من الدول العربية التدخل لإنهاء الثورة ، استنادا إلى وعودها بإيفاء الشعب الفلسطيني حقه في وطنه. لقد قدرت بريطانيا أهمية وقوف العرب إلى جانب الحلفاء في الحرب ، وسعت لاسترضائهم ، بعد أن جعلت القاهرة مركزا لقيادة قواتها في الشرق الأوسط ، وقد نجحت في سعيها. وكان طبيعيا أن تثور المنظمة الصهيونية على هذه السياسة. وغداة إعلان حكومة لندن بيانها الجديد ، قامت تظاهرات يهودية في فلسطين ، أعلن في إثرها بن ـ غوريون ، الذي كان يشغل منصب رئيس الوكالة اليهودية ، ما يلي : «إن التظاهرات اليهودية التي وقعت أمس تشير إلى بداية المقاومة اليهودية للسياسة الكارثية التي تقترحها حكومة جلالته. واليهود لن يذعنوا لها بالإرهاب ، حتى لو أريق دمهم. وفي إخضاعنا لها ، فإن المسؤولية عما يمكن أن يجري في هذا البلد جرّاء فرض تلك السياسة بالقوة ، تقع كاملا على عاتق الحكومة.» (١)
وعلى أرضية التحالف العربي مع بريطانيا في الحرب ، وبعد أن فترت الثورة ، وعمدت السلطات العسكرية في فلسطين إلى العمل بالأحكام العرفية وقوانين الطوارىء والقمع السياسي ، استكان عرب فلسطين إلى الأمل الذي عقدوه على تنفيذ حكومة بريطانيا وعودها الواردة في الكتاب الأبيض لعام ١٩٣٩. في المقابل ، فالمنظمة الصهيونية ، التي انتهزت نشوب الحرب العالمية الأولى لاستصدار وعد بلفور ، رأت في الحرب الثانية فرصة مواتية لتأسيس الكيان الصهيوني والإعلان عن قيامه. وهذا الهدف هو الذي حكم تصرف المنظمة ونشاطها خلال الحرب ، وبناء عليه ، نقلت مركز نشاطها إلى الولايات المتحدة ، وبالتالي ربطت مصير مشروعها الاستيطاني بدور أميركا في الحرب ، وموقعها الدولي بعد انتهائها ، واستراتيجية واشنطن إزاء المنطقة بعد الحرب ، وفي ضوء نتائجها. أمّا إزاء بريطانيا ، فقد انتهجت الوكالة اليهودية خطا سياسيا ، عبّر عنه دافيد بن ـ غوريون بالشعار : «مساعدة البريطانيين ضد هتلر وكأنه لا يوجد كتاب أبيض ومقاومة الكتاب الأبيض وكأن لا حرب هناك.» لكن المنظمة الصهيونية ، ولاعتبارات موازين القوى الدولية ، وما توقعته من نتائج الحرب ، ألقت عصا الترحال في الولايات المتحدة ، معتبرة إياها «البلد الأم» الجديد للمشروع الصهيوني.
__________________
(٥٣) John Hadawi ,op.cit.,Vol.I ,p.٦٢٣.