وإزاء التحوّل في السياسة البريطانية عن المشروع الصهيوني ، عمدت الوكالة اليهودية إلى الانتقال من مرحلة تجسيد وعد بلفور وتهيئة الأوضاع لإقامة «الوطن القومي اليهودي» ، إلى المطالبة بإعلان الدولة اليهودية ، حتى وإن كانت الأوضاع لم تتهيّأ بعد. ورأت الحركة الصهيونية الفرصة تلوح في الأفق من خلال الحرب العالمية الثانية ، معتمدة هذه المرة على الولايات المتحدة. وكانت هذه الأخيرة قد تخلصت من سنوات الركود ، وتقدمت خطوة كبيرة في «سياسة الباب المفتوح» ، على قاعدة «الصفقة الجديدة ، التي عرفت باسم «مبدأ روزفلت». وأرسل روزفلت مندوبا له إلى الشرق الأوسط ، الجنرال باتريك هيرلي الذي عاد إليه بتقرير يقول إن المنظمة الصهيونية تريد دولة مستقلة في فلسطين ، وتهجير سكانها إلى العراق ، وضمان موقع مسيطر على اقتصاد الشرق الأوسط ومشاريع التنمية فيه. وكان سلوك واشنطن في أثناء الحرب وبعدها يشير بوضوح إلى أنها أيدت هذه المطالب الصهيونية ، فعملت على تجسيدها بكل نشاط.
وفي الحرب ، وعندما تفاقم خطر النازية على يهود أوروبا الوسطى ، بعد أن حدّدتها السياسة الألمانية «منطقة خالية من اليهود» ، وطرحت مسألة تهجيرهم واستيعابهم في أوروبا الغربية واستراليا والأميركتين ، بما ينسجم مع رغبة هذه الدول ، تراجعت الولايات المتحدة عن دعم المشروع بناء على طلب المنظمة الصهيونية ، التي أصرت على أن تكون وجهة هجرتهم إلى فلسطين ، لتثبيت أركان الاستيطان فيها وتهيئة الأوضاع لإعلان الدولة اليهودية. ولكن بريطانيا ، وهي تخوض حربا عالمية ، قدرت النتائج السلبية الناجمة عن تلبية مطالب الصهيونية ، فعمدت إلى الخديعة مرة أخرى ، ولكن بالاشتراك مع الولايات المتحدة هذه المرة ، بديلا من فرنسا في الحرب الأولى. وعندما تفهمت إدارة روزفلت المناورة البريطانية انهالت عليها الاحتجاجات الصهيونية ، بعد البيان الأنكلو ـ أميركي ، الذي رمى إلى تطمين العرب وضمان عدم انحيازهم إلى جانب ألمانيا في الحرب. وتحرك بعض أذرعة المنظمة الصهيونية للتعامل مع الاستخبارات الألمانية من أجل تهجير اليهود إلى فلسطين ، الأمر الذي تولاه أدولف أيخمان في مراحله الأولى (١٩٤١ م). وفي الواقع ، فإن المنظمة الصهيونية ، وخصوصا بعض أجنحتها اليمينية المتطرفة ، أحبطت توطين يهود أوروبا الوسطى في الغرب ، كما ساهمت في إنزال الكوارث ببعض الجاليات اليهودية الأوروبية وحملت حكومات الغرب المسؤولية الأخلاقية عنها.
وكما فعلت في الحرب العالمية الأولى ، كان همّ بريطانيا في الثانية أن تجر الولايات المتحدة إليها ، ورأت في المنظمة الصهيونية أداة لبلوغ مبتغاها. ومرة