أخرى ، كان شرط المنظمة لتكرار دورها الحصول على تعهد بإقامة الدولة اليهودية بعد الحرب. وأبدت بريطانيا استعدادها لذلك ، وبالتالي التخلي عن الكتاب الأبيض (١٩٣٩ م) ، بعد تولي تشرشل رئاسة الحكومة خلفا لتشمبرلين (١٩٤٠ م). وطرح تشرشل سحب ذلك الكتاب ، لكنه اصطدم بمعارضة حكومته الائتلافية ، وتراجع لاعتبارات تكتيكية ، كما امتنع من الإفصاح عن نواياه لأسباب تتعلق بما قد يسببه ذلك من ردات فعل عربية. ولذلك عاد تشرشل إلى الخديعة المزدوجة التي مارسها لويد جورج في الحرب الأولى ، وتعهد لوايزمن أنه «بعد الحرب ، ستقوم في فلسطين دولة تضم ثلاثة إلى أربعة ملايين يهودي.»
وحمل وايزمن هذا التعهد ، وغادر إلى الولايات المتحدة لتأليب المنظمة الصهيونية وأنصارها بالدعوة إلى دخول أميركا الحرب إلى جانب الحلفاء. وكان على جدول أعماله تشكيل فيلق يهودي للمشاركة في الحرب ، وليكون القوة العسكرية التي تستند إليها المنظمة لدى إعلان الدولة اليهودية. ومع تصاعد العمليات العسكرية ، أصبحت بريطانيا أكثر فأكثر اعتمادا على الولايات المتحدة للتزود بالأغذية والأعتدة ، الأمر الذي دفع ألمانيا إلى تنشيط أسطولها من الغواصات في المحيط الأطلسي ، التي ألحقت بالبحرية البريطانية وسفنها التجارية خسائر فادحة. وباستمرار هذه الحالة ، أصبح صمود بريطانيا أمام ألمانيا متعلقا بالتدخل الأميركي في الحرب ، وأصبحت الإدارة الأميركية تتحرق لإعلان الحرب على ألمانيا ، وتنتظر الذريعة. وقد جاءت هذه في ٧ كانون الأول / ديسمبر ١٩٤١ م ، عندما هاجمت القوات البحرية والجوية اليابانية ميناء بيرل هاربر الأميركي في المحيط الهادىء ، فدخلت الولايات المتحدة الحرب ، الأمر الذي غير موازين القوى فيها جذريا.
ولما تأكدت المنظمة الصهيونية من دخول أميركا الحرب ، عمدت إلى نقل مركز نشاطها إليها ، انطلاقا من الأهمية التي تعلقها على الحرب في تحقيق أهدافها ، ومن تقديرها للموقع الذي ستحتله أميركا في العالم بعد الحرب ، ومن معرفتها للنفوذ الذي تتمتع به المنظمة هناك. وفي أيار / مايو ١٩٤٢ م ، عقدت المنظمة مؤتمرا موسعا في مدينة نيويورك حضرته وفود متعددة ، أهمها من الولايات المتحدة وبريطانيا وفلسطين. وانتهى المؤتمر إلى تبني برنامج بلتمور ، على اسم الفندق الذي عقد فيه المؤتمر. ودعا البرنامج إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين فورا ، وإلى رفض الكتاب الأبيض (١٩٣٩ م) ، الذي يهدد الهجرة اليهودية إليها ، وإلى تشكيل قوة عسكرية بقيادة الوكالة اليهودية ، التي تتولى بنفسها شؤون الهجرة إلى فلسطين ، وبناء المستعمرات فيها. وتوالت المنظمات الصهيونية على تبني البرنامج الذي جاء متطابقا مع الأهداف