المطلوب. كان العرب الأكثرية ، وكذلك انتشارهم هو الأوسع على الأرض ، وبالتالي الأكثر ملاءمة لعزل التجمعات اليهودية ومحاصرتها وضربها. إلّا إنه كانت تعتور ذلك ثغرات على الصعيد الذاتي لناحية وحدة الموقف والمركز والقرار ، وبالتالي التنظيم والتخطيط والتنفيذ ، وخصوصا ما يتعلق بتوفير مستلزمات المعركة. والبدايات التي برزت منذ مطلع سنة ١٩٤٧ م ، وراحت تتصاعد في نهايتها ، كانت على العموم تكرارا للنهج الذي تبلور سنة ١٩٣٦ م ، إلّا إن المعطيات الحالية كانت قد تغيرت كثيرا.
وفي الواقع ، فإنه على عكس ما كان عليه الحال سنة ١٩٣٦ م ، إذ بادر الفلسطينيون إلى الهجوم العسكري التكتيكي ، من موقع الدفاع السياسي الاستراتيجي ، فقد كانوا في سنة ١٩٤٧ م في موقع الدفاع على الصعيدين. فبغض النظر عن العمليات المحدودة الهجومية ، وخصوصا في وسط البلاد ، كانت السمة العامة لاستعدادات العرب منذ منتصف سنة ١٩٤٧ م دفاعية. لقد قامت المنظمة الصهيونية بالهجوم ، سياسيا وعسكريا ، وإلى جانب العمليات ضد السلطات البريطانية ، قامت بأعمال استفزازية ضد العرب. ولذلك ، وقبل صدور أية قرارات بشأن العمل العسكري العربي ، كان الفلسطينيون يشترون السلاح ، على الرغم من الحظر البريطاني الصارم على اقتنائه ، ويقومون بأعمال الحراسة على قراهم ، خوفا من الهجمات الصهيونية التي راحت تتكرر على قرى ومواقع معزولة. وبين التشكيك في صدق نية بريطانيا الانسحاب ، الأمر الذي كان مشتركا مع الوكالة اليهودية ، والترقب لما ستتمخض عنه قرارات الجامعة العربية والهيئة العربية العليا ، دوهم عرب فلسطين بالنشاط العسكري الصهيوني وهم غير مستعدين له ، فكان همهم الأول الدفاع عن أنفسهم وأحيائهم وقراهم إزاء الغارات الليلية من قبل القوات الصهيونية.
وباحتدام الصراع السياسي في الأمم المتحدة ، وتصاعد الضغط العسكري الصهيوني ، على أرضية تواتر التصريحات البريطانية التي تؤكد العزم على الانسحاب من فلسطين ، أصبح الأمن هاجس الناس الأول. فازداد البحث عن السلاح ، ونشط قادة محليون في تشكيل مجموعات مسلحة ، وتنظيم أعمال الحراسة ، كل على أطراف قريته ، أو حيّه في المدينة. واشتدت الصدامات ، التي كان أكبرها في يافا ـ تل أبيب في ١٠ آب / أغسطس ١٩٤٧ ، والذي تصاعد ليبلغ الذروة في ٢٨ كانون الأول / ديسمبر ١٩٤٧ م في الهجوم الكبير على الحيّ الجنوبي من تل أبيب (هتكفاه) ، بقيادة الشهيد حسن سلامة. ثم وقع الانفجار الكبير خلال الإضراب بعد صدور قرار التقسيم ، إذ وقعت صدامات مسلّحة في القدس ، وراحت تتصاعد ، وانتقلت إلى جميع أنحاء البلد. وسارعت القرى والمدن إلى تشكيل اللجان القومية استعدادا