السومرية ، تبلغ مساحة التل نحو ٤٠٠٠ دونم ، في حين لا تزيد مساحة تلال فلسطين بصورة عامة عن ٢٠٠ دونم ، وهي موزعة في الجبال والمروج ، بينما الكثافة تتمركز في غور الأردن ومرج ابن عامر والسهل الساحلي.
ولأنها لم تشكل وحدة سياسية ، مع إنها شكلت وحدة حضارية في إطار بلاد الشام ، مع تمايزات يفرضها الموقع ونمط الإنتاج الرئيسي ، فإن مدن ـ الدولة هذه في فلسطين لم تستطع الوقوف في وجه الحملات المتعاقبة ، إذ تناوب عليها كل من العراق ومصر منذ منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. كما أن المدن الفلسطينية لم يكن في قدرتها دائما صدّ موجات القبائل التي توغلت في أراضيها ، بل غزتها واحتلتها ودمرتها أحيانا ، وهو ما تكشف عنه الحفريات الأثرية. ومع ذلك ، فالعلاقات مع مصر وسورية والعراق ، وحتى مع بلاد الأناضول ، لم تكن عدائية على الدوام ، إذ تخللتها فترات من العلاقات السلمية ، والتبادل التجاري والحضاري. وتبقى الأسوار العبيّة التي أحاطت بهذه المدن شاهدا على الهمّ الدفاعي الذي كان من نصيبها.
وهوية الجماعات التي بنت هذه المدن ، أو التي غزتها ودمرتها ، فتركتها خرابا أو شيّدت مدنا جديدة على أنقاضها ، لا تزال موضوع نقاش بين المؤرخين وعلماء الآثار والأنثروبولوجيا. وإذ لا يخلو الجدل الدائر بشأن هذه المسألة من نزعات قطرية أو قومية أو حتى عرقية ـ شوفينية أحيانا ، فإن غياب الوثائق المكتوبة ، التي تقطع الشك باليقين ، يترك الباب مفتوحا أمام الاجتهادات التي لا يخلو بعضها من الأغراض غير الموضوعية. وإذا كان التاريخ ليس كل الحقيقة أصلا ، فإن أكثر ما يسيء إلى الحقيقة التاريخية محاولة توظيفها في خدمة أهداف لا تاريخية. وهذا العصر من تاريخ فلسطين بالذات ، ولأسباب غير موضوعية ، لعلها تتصل بالصراع العربي ـ الصهيوني ، يثير جدلا ، صاخبا أحيانا ، بين الباحثين.
والأمر الذي يزيد في تعقيد مسألة الوصول إلى معرفة أصول هذه الشعوب ، هو أننا لا نعلم على وجه الدقة ، ماذا كان أبناؤها يسمون أنفسهم ، وبالتالي كيف كانوا يرون العلاقات بين بعضهم البعض ، أو مع الشعوب الأخرى المجاورة. وأغلبية الأسماء التي نستعملها اليوم للدلالة على تلك الشعوب ، هي بالتأكيد غير تلك التي استعملها أبناؤها للتعريف بأنفسهم وهويتهم. والكثير من هذه الأسماء ، التي تستند إلى وثائق قديمة وردت فيها ، هو أقرب إلى الكنى ، السلبية أحيانا كثيرة ، التي أطلقها أبناء الحضارات العالية ، في مصر والعراق ، على الشعوب والجماعات الأخرى. وفي كثير من الأحيان ، كانت هذه الأسماء ـ الكنى تشير إلى حالة اجتماعية أكثر من دلالتها على جماعة إثنية ، أو تنسب الجماعة إلى موقع سكناها الجغرافي ، وليس إلى أصولها ، أو انتمائها العرقي.