السياسية ، عدا فترة حكم الهكسوس القصيرة نسبيا.
ويتضح من آلاف الرّقم التي عثر عليها في إبلا ، والتي تلقي أضواء جديدة على تاريخ شعوب المنطقة ـ في الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد ـ فضلا عن لغاتهم وعاداتهم وعباداتهم وعلاقاتهم ، أن سكان بلاد الشام عرفوا الكتابة منذ هذا التاريخ على الأقل. فشعوب سيناء في الجنوب ، إلى شعوب جبال طوروس في الشمال ، كانوا يعرفون اللغات والخطوط المتداولة في الشرق الأدنى القديم ، إذ عرفوا الخطين ـ المسماري والهيروغليفي ، واستعملوهما في التعبير عن لغتهم هم. ثمّ لم يلبثوا أن طوروا الأبجديتين ـ الأوغاريتية والسينائية. وهذه الأخيرة هي النمط الأولي للخط الكنعاني ، الذي أخذته العبرية القديمة.
ومنذ أيام المملكة الوسطى (نهاية الألف الثالث قبل الميلاد) ، صارت الوثائق المكتشفة في مصر ، من كتابات ونقوش ، توفر المزيد من المعلومات عن فلسطين ـ علاقتها بمصر وأوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وحتى عبادات سكانها. ومع أن علاقات محدودة قامت بين مصر وفلسطين من أيام المملكة القديمة ، فإنها أيام حكم السلالتين ١٢ و ١٣ قد تطورت : أولا ، بفعل الاستقرار الداخلي الذي تحقق ، وخصوصا أيام السلالة ١٢ ، في فترة ١٩٩١ ـ ١٧٧٥ ق. م. ، وثانيا ، لتعاظم اهتمام الفراعنة بمناجم النحاس والفيروز في سيناء ، وبالتالي ضرورة حمايتها من تهديد القوى في فلسطين.
ويتحدث عدد من هذه النصوص عن الحملات العسكرية التي أرسلها فراعنة مصر ، وخصوصا أيام السلالة ١٢ ، التي مثلت ذروة قوة المملكة الوسطى ، إلى سيناء وفلسطين ، وكذلك الحملات العسكرية ـ التجارية إلى الساحل ، وربما إلى الداخل السوري. وهذه النصوص تشير إلى علاقات وثيقة ، تقترب من بسط النفوذ ، على الأقل في جنوب فلسطين ، وإلى أخرى اقتصادية متينة مع جبيل على الساحل. وإذ لا يستبعد بعض المبالغة في إنجازات تلك الحملات وأبعادها فإنها على أية حال تعطي معلومات عن الحالة السياسية ـ الاجتماعية في فلسطين ، وغيرها من بلاد الشام. وفي تلك النصوص إشارات واضحة إلى عدد كبير من دويلات ـ المدن ، يصل في بعض القوائم إلى العشرات ، مثل : عسقلان وحاصور وشيكم وحتى أورشليم ، التي يرد اسمها لأول مرة منذ أيام السلالة ١٢. ولعل الأهم أنه في تلك الوثائق يرد اسم جديد لفلسطين ، هو ريتنو ، ويميز بين منطقتين ـ عليا وسفلى. والمعنى الدقيق لهذا الاسم ليس واضحا ، لكنه بحسب استعماله يشير إلى وحدة سياسية ، أكثر من دلالته على جماعة إثنية ، أو حالة اجتماعية ، كما جرت العادة في التسميات التي كان