كمنحة أعطاها الفرعون لهم بسبب يوسف ، الذي تبوّأ موقعا مرموقا في بلاطه. إلّا إنه ليس هناك أيّ دليل آخر على نزولهم إلى مصر ، مقامهم فيها ، وخروجهم منها. وتروي التوراة أنه بعد فترة ، استعبدهم الفرعون ، ووظفهم في بناء عاصمته ، وهو أمر لا يستبعد ، وخصوصا بعد طرد الهكسوس من مصر. وفي الواقع ، فهناك وثيقة من أيام رعمسيس الثاني (القرن الثالث عشر قبل الميلاد) تؤكد استخدام العابيرو في بناء هيكل رعمسيس. وإذ تورد الوثائق المصرية ذكر هروب جماعات مضطهدة من العبيد شرقا إلى سيناء ، فإن أسطورة خروج بني إسرائيل من مصر ، كما ترد في التوراة ، لا تمتلك مقومات الرواية التاريخية.
ومن الممكن أن حروب رعمسيس الثاني مع الحثيين ، هي التي أتاحت فرصة الهروب للعناصر السامية ، التي بقيت في مصر بعد طرد الحكام الهكسوس منها. وبناء عليه ، فهذا الهروب وقع في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، أيام حكم رعمسيس الثاني الطويل والمليء بالحملات العسكرية. وفي نصب تذكاري من السنة الخامسة لحكم مرنفتاح (نحو ١٢٢٠ ق. م.) ، يمجد انتصاره على الفلسطيين ، يرد ذكر إسرائيل كعنصر مستقر في جبال فلسطين الوسطى. وهو كما يظهر في هذه الوثيقة يشير إلى كيان يمتلك ميزات الشاسو ، في جبال نابلس. وفي ضوء هذا الانتشار القبلي ، عاد المصريون إلى تحصين الحاميات العسكرية في بيسان ودير علّا ، لحماية طرق التجارة المجاورة.
ولا يمكن اعتبار الرواية التوراتية عن خروج بني إسرائيل من مصر ، وتيههم في الصحراء مدة أربعين عاما ، وما رافق ذلك من قصص ، وثيقة تاريخية. وباستثناء أساس الحدث ، أي عملية الخروج بحد ذاتها ، والتي قد تنسجم مع التطورات اللاحقة لطرد الهكسوس ، فالتفصيلات الأخرى جميعها لا يمكن اعتمادها كوقائع تاريخية. لقد أصبح هذا الخروج ، في الصيغ اللاحقة للتراث الديني اليهودي ، رمزا للانعتاق وتبلور شخصية الأمة اليهودية. فأسبغت عليه هالة من القدسية ، وأضفي عليه طابع الإرادة الإلهية ، وبالتالي أسطورة شعب الله المختار ، الأمر الذي استلزم التعتيم على مجريات الأحداث كما جرت في الواقع. ولا غرو أن الأساطير والقصص والعجائب والخوارق اختلطت في الرواية عن تلك الأحداث.
ليس هناك ما يدعم الوصف العجائبي التوراتي لأحداث ومواقع رحلة الخروج. والجانب الجغرافي من الرحلة لا يزال غامضا ، إذ إن أمكنة عبور البحر الأحمر ، ونزول الوحي في جبل سيناء على موسى ، وكذلك دخول القبائل أرض ـ كنعان ، غير قابلة للتعريف والتحديد. ومع ذلك ، فقد تبلور في التراث اليهودي أن جبل سيناء هو