وينفرد بعزلته في هذه الفترة سبط يهودا ، الذي تبوّأ موقع القيادة في مملكة داود وسليمان ، ومن اسمه اشتقت كلمة اليهودية ، حيث كان يتجول بعيدا في النقب الشمالي ـ الشرقي.
وبعد موت الفرعون مرنفتاح (١٢٢٤ ـ ١٢١٦ ق. م. تقريبا) ، تدهورت أوضاع السلطة المصرية في أرض ـ كنعان. وبعد فترة (بداية القرن الثاني عشر قبل الميلاد) ، استعاد رعمسيس الثالث بعض النفوذ المصري الضائع فيها. وتفيد سيرته الذاتية أنه تغلب على الفلسطيين ، وألزمهم الاستيطان في السهل الساحلي الجنوبي ، وربطهم بخدمته الخاصة. ومن هنا ، أصبح الفلسطيون يعتبرون أنفسهم البديل للحكام الكنعانيين ، ولاحقا ، وبعد تضعضع السلطة الفرعونية ، نصّبوا أنفسهم الخلفاء الشرعيين للحكم المصري في أرض ـ كنعان. وراح هؤلاء يثبتون سلطتهم ، ويتوسعون في الاتجاهات المتعددة ، فاندلع صراع مثلث الجوانب ـ فلسطي وكنعاني وإسرائيلي ـ كان الكنعانيون أول الخاسرين فيه. فبفضل تفوقهم بالسلاح ، وروحهم القتالية العالية ، استطاع الفلسطيون التغلب في الساحل الجنوبي على الكنعانيين ، الذين كانوا خاضعين للسيادة المصرية منذ قرون.
أمّا في الداخل ، فقد اندلع الصراع بين القبائل الإسرائيلية والمدن الكنعانية من جهة ، وبين تلك القبائل والوحدات السياسية التي قامت شرقي الأردن ، من جهة أخرى. فهذه الوحدات أيضا سعت للإفادة من تهاوي السلطة المصرية ، والتمدد في المناطق الخصبة غربي النهر. وإزاء الخطر الإسرائيلي ، تشكل ائتلاف بين المدن الكنعانية ، بقيادة ملك حاصور ـ يابين. ولذلك ، اضطرت القبائل الإسرائيلية في الشمال والوسط إلى التحالف بين بعضها البعض ، وحققت نصرا على الكنعانيين في معركتين حاسمتين : الأولى في تعنك ، في مرج ابن عامر ، والثانية في الحولة ، بالقرب من حاصور ، الأمر الذي وضع حدّا لهذه المملكة الكنعانية القوية ، في نهاية القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
إن انهيار الائتلاف الكنعاني ، وبالتالي بروز القبائل الإسرائيلية كقوة رئيسية في المنطقة الجبلية من فلسطين ، وضعا تلك القبائل بين فكي كماشة. فمن الغرب ، راح الفلسطيون يزيدون في ضغطهم بهدف التوسع من الساحل الجنوبي في اتجاه الشمال والشرق. وفي الشرق ، ارتفعت حدة الصراع مع الوحدات السياسية التي كانت في مرحلة الانتقال من البداوة إلى الاستقرار ، والبحث عن مجال حيوي من الأراضي الخصبة غربي النهر. وقد اضطر ذلك القبائل الإسرائيلية إلى توثيق التحالف بينها ، والتوجه نحو تنصيب قيادة موحدة عليها ، ولكن من دون الوحدة الاندماجية. وبناء