الباطل وأنّهم يدخلونه وأقسم على ذلك وقال : ( لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ ) أي العام القابل وكان بين نزول الآية والدخول مدة سنة ولعلّ التقييد بالمشيئة لعلمه سبحانه بأنّ منهم من يموت قبل السنة أو يمرض فلا يدخلها ، فأدخل الاستثناء لأنّ لا يقع في الخبر خلف (١).
ونختم هذا القسم بتنبّؤين :
١. تنبّؤ القرآن بانتصاره على أعدائه من قريش وفتحه عاصمة الوثنيين ودخول الناس في دين الإسلام فوجاً بعد فوج ، قال سبحانه : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) ( النصر : ١ ـ ٤ ) فأظفره الله على أعدائه وفتح مكة ودخل الناس في دين الإسلام زمرة بعد زمرة ، ولأجل ذلك النصر العظيم أمره سبحانه بتنزيه الله عمّا لا يليق به ، وليست هذه هي المرة الوحيدة التي تنبّأ فيها القرآن الكريم بفتح مكة ، بل تنبّأ بفتح مكة مرة اُخرى وهو قوله سبحانه : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ) ( الفتح ـ ١ ) فقد روي أنّ المسلمين رجعوا عن غزوة الحديبية وقد حيل بينهم وبين نسكهم فهم بين الحزن والكآبة إذ أنزل الله عزّ وجلّ : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ) فأدرك الرسول السرور والفرح ، ما شاء الله ، ففتحت مكة بعد عامين من نزول السورة ، ومعنى قوله : ( إِنَّا فَتَحْنَا ) إنّا قضينا لك بالفتح.
وقال سبحانه : ( وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ) ( الصف ـ ١٣ ) والمراد من « فتح قريب » أمّا فتح مكة أو فتح بلاد الفرس والروم (٢).
٢. تنبّؤ القرآن بأنّه لا يضر ارتداد من ارتد ممّن آمن به فانّ الله يأتي بقوم رحماء على المؤمنين أشدّاء على الكافرين ، يجاهدون في سبيل الله لاعلاء كلمة الله وإعزاز دينه ، حيث قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ
__________________
(١) سيرة ابن هشام ج ٢ ، ص ٣٠٨ ـ ٣٢٢ ، مجمع البيان ج ٥ ص ١٢٦.
(٢) مجمع البيان ج ٥ ص ١٠٨ ـ ١٠٩ و ٢٨٢.