التمني والترجّي والقسم والنّداء والتعجّب والاستفهام (١) إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الجملة الخبريّة هي التي تقع خبرا غالبا ، وأمّا الجمل الإنشائيّة فلا تقع خبرا للمبتدأ إلّا بتأويل نحو : زيد أكرمه وزيد لا تضربه ، والتقدير زيد مقول فيه أكرمه ولا تضربه (٢) ، ولنرجع إلى الجملة الخبريّة فنقول : تكون إسميّة نحو : زيد أبوه قائم ، وتكون فعليّة نحو : زيد قام ، ويلزم أن يكون في الجملة ضمير يعود إلى المبتدأ ، إلّا أن تكون الجملة هي نفس المبتدأ في المعنى كما في ضمير الشأن نحو : (هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(٣) أو يقوم مقام العائد شيء كقوله تعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ)(٤) وقد يحذف العائد إذا كان معلوما نحو : السّمن منوان بدرهم أي منوان منه بدرهم (٥) وكذلك البرّ الكرّبستين (٦) ، فالسّمن مبتدأ ومنوان مبتدأ ثان وبدرهم خبر عن منوين والجملة خبر السمن ، و «منه» المحذوفة في موضع رفع صفة لمنوين ليصحّ الابتداء بالنكرة ، وأما «منه» في قولهم : البرّ الكرّبستين ، ففي موضع نصب على الحال من الكرّ المعرفة (٧) وما وقع من الظروف خبرا نحو : زيد في الدار ، زيد عندك ، والخروج يوم الجمعة ، فالأكثر ، أنّه مقدّر بجملة (٨) لأنّ الظرف معمول لغيره والأصل في العمل للفعل ، والتقدير : زيد استقرّ أو حصل عندك فحذف الفعل للعلم به لاستحالة كون زيد عنده من غير حصول واستقرار ، ونقل الضمير المستكنّ في ذلك الفعل إلى الظّرف ، فصار
__________________
(١) مفتاح العلوم للسكاكي ، ٧٩.
(٢) شرح الوافية ، ١٧٦ وانظر الخلاف حول جواز مجيء الجملة الخبرية إنشائية في تسهيل الفوائد ، ٤٨ وشرح الكافية ، ١ / ٩١ وحاشية الصبان ، ١ / ١٩٥.
(٣) من الآية ١ من سورة الإخلاص.
(٤) من الآية ٢٦ من سورة الأعراف ، على أن ذلك مبتدأ ثان ، وخير خبره.
(٥) منوان تثنية منا ، وهو الذي يكال به السمن وغيره ، وقيل الذي يوزن به رطلان ، والجمع أمناء مثل سبب وأسباب ، وفي لغة تميم منّ بالتشديد والجمع أمنان والتثنية منّان على لفظه المصباح المنير منا.
(٦) البر بالضم ، القمح ، الواحدة برة ، والكر : كيل معروف والجمع أكرار مثل قفل وأقفال ، وهو ستون قفيزا ، والقفيز ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف ، المصباح المنير برر ، وكرر.
(٧) ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في الخبر ، والعامل فيه الخبر أي البر الكركائن بستين كائنا منه ، انظر شرح الكافية ، ١ / ٩١ وشرح التصريح ، ١ / ١٦٤ ـ ١٦٥ وشرح الأشموني ، ١ / ١٩٦.
(٨) الكافية ، ٣٨٦.