هذا ليس مثله في التصريح جعل كأنّه نائب عن معنى التصريح (١) وتدخل «من» في مميّز الخبريّة كثيرا نحو قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها)(٢) ولكم الاستفهامية والخبريّة صدر الكلام (٣) لكون الاستفهاميّة لإنشاء الاستفهام ، والخبريّة لإنشاء التكثير ، والكوفيون لا يوجبون لهما صدر اللام ويستشهدون بقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ)(٤) ويزعمون أنّ كم فاعل يهد (٥) والبصريون يتأولونه ويقفون على يهد لهم ويبتدئون بقوله : كم أهلكنا (٦) لكن إن كان قبلهما مضاف أو حرف جرّ وجب تقديمه وكانا في موضع خفض كقولك : غلام كم رجلا ضربت ، وبكم رجلا مررت ، لأنّ المضاف وحرف الجرّ لا يتأخّر عن معموله ، فلذلك اغتفر تقديمه على ماله صدر الكلام ، ليتنزّل المضاف وحرف الجرّ منزلة الجزء من الكلمة ، ويكون إعراب المضاف نحو الغلام في : غلام كم رجلا ، كإعراب كم ، ولذلك نصبت غلام كم رجلا ضربت ، والاستفهاميّة والخبريّة كلاهما يقع مرفوعا ومنصوبا ومجرورا (٧) أما جرّهما فبالمضاف أو حرف الجرّ حسبما تقدّم ، وأمّا النصب فبما بعدهما من الفعل ، إن كان متسلّطا عليهما ، أي غير مشتغل بضميرهما أو متعلّق ضميرهما على حسب ما يقتضيه ، أعني ؛ إن اقتضى مفعولا به كان مفعولا به نحو : كم رجلا أو رجل ضربت ، بنصب رجل مع الاستفهاميّة ، وجرّه مع الخبريّة ، وإن اقتضى مفعولا مطلقا كان مفعولا مطلقا نحو : كم ضربة وضربة ضربت ، وإن اقتضى
__________________
(١) شرح الكافية ، ٢ / ٩٧ وشرح الأشموني ، ٤ / ٨١.
(٢) من الآية ٤ من سورة الأعراف.
(٣) الكافية ، ٤٠٧.
(٤) من الآية ٢٦ من سورة السجدة.
(٥) انظر معاني القرآن ٢ / ١٩٥ ـ ٣٣٣ وشرح الوافية ، ٢٩٨.
(٦) في البيان ، للأنباري ، ٢ / ١٥٤ : وزعم الكوفيون بأنّ فاعل يهدى هو كم ، وذلك سهو ظاهر ؛ لأنّ كم لها صدر الكلام ولا يعمل فيها ما قبلها رفعا ولا نصبا ، وكم في موضع نصب بأهلكنا وهو مفعول مقدّم وتفسيره محذوف وتقديره : كم قرية أهلكنا ، وحكى الأخفش أن بعض العرب يقدّم العامل على كم الخبريّة وردّ ابن هشام ذلك بأنها : لغة رديئة ولا يجوز تخريج كلام الله سبحانه على هذه اللغة وقرّر بأنّ الفاعل هو ضمير اسم الله سبحانه أو ضمير العلم أو الهدى المدلول عليه بالفعل ، أو جملة أهلكنا على القول بأن الفاعل يكون جملة. انظر مغني اللبيب ، ١ / ١٨٤ وحاشية الصبان ، ٤ / ٨٣.
(٧) الكافية ، ٤٠٧.