الفكرة منتهاها فتخيل نفسه في حضرة الربوبية فخاطب ربه بالإقبال ، كعكس هذا الالتفات في قول محمد بن بشير الخارجي (نسبة إلى بني خارجة قبيلة) :
ذممت ولم تحمد وأدركت حاجة |
|
تولّى سواكم أجرها واصطناعها |
أبى لك كسب الحمد رأي مقصّر |
|
ونفس أضاق الله بالخير باعها |
إذا هي حثته على الخير مرة |
|
عصاها وإن همّت بشرّ أطاعها |
فخاطبه ابتداء ثم ذكر قصور رأيه وعدم انطباع نفسه على الخير فالتفت من خطابه إلى التعبير عنه بضمير الغيبة فقال : إذا هي حثته فكأنه تخيله قد تضاءل حتى غاب عنه ، وبعكس ذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) [العنكبوت : ٢٣] لاعتبار تشنيع كفر المتحدّث عنهم بأنهم كفروا بآيات صاحب ذلك الاسم الجليل ، وبعد تقرر ذلك انتقل إلى أسلوب ضمير المتكلم إذ هو الأصل في التعبير عن الأشياء المضافة إلى ذات المتكلم. ومما يزيد الالتفات وقعا في الآية أنه تخلص من الثناء إلى الدعاء ولا شك أن الدعاء يقتضي الخطاب فكان قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) تخلصا يجىء بعده : (اهْدِنَا الصِّراطَ) ونظيره في ذلك قول النابغة في رثاء النعمان الغساني :
أبى غفلتي أني إذا ما ذكرته |
|
تحرك داء في فؤادي داخل |
وأن تلادي إن نظرت وشكّتي |
|
ومهري وما ضمّت إليّ الأنامل |
حباؤك والعيس العتاق كأنها |
|
هجان المهى تزجى عليها الرحائل |
وأبو الفتح ابن جني يسمى الالتفات «شجاعة العربية» كأنه عنى أنه دليل على حدة ذهن البليغ وتمكنه من تصريف أساليب كلامه كيف شاء كما يتصرف الشجاع في مجال الوغي بالكر والفر.
و (إياك) ضمير خطاب في حالة النصب. والأظهر أن كلمة ايا جعلت ليعتمد عليها الضمير عند انفصاله ولذلك لزمتها الضمائر نحو : إياي تعني ، وإيّاك أعني ، وإيّاهم أرجو. ومن هنا لك التزم في التحذير لأن الضمير انفصل عند التزام حذف العامل. ومن النحاة من جعل (إيّا) ضميرا منفصلا ملازما حالة واحدة وجعل الضمائر التي معه أضيفت إليه للتأكيد. ومنهم من جعل (إيّا) هو الضمير وجعل ما بعده حروفا لبيان الضمير. ومنهم من جعل (إيّا) اعتمادا للضمير كما كانت أيّ اعتمادا للمنادى الذي فيه ال. ومنهم من جعل (إيّا) اسما ظاهرا مضافا للمضمرات.