تعريضا لأن معناه حاصل على الحقيقة كما أشار إليه السلكوتي في «حاشية التفسير».
فإن قلت كيف أمرنا بأن لا نعبد إلا الله ولا نستعين إلا به حسبما تشير إليه هذه الآية ، وقد ورد في الصحيح أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما علّم عبد الله بن عباس قال له «إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله» فلم يأت بصيغة قصر. قلت قد ذكر الشيخ الجد قدس الله روحه في تعليقه على هذا الحديث أن ترك طريقة القصر إيماء إلى أن المقام لا يقبل الشركة وأن من حق السؤال أن لا يكون إلا لله القادر العليم ، وقد قال علماء البلاغة إذا كان الفعل مقصورا في نفسه فارتكاب طريق القصر لغو من الكلام ا ه.
وأقول تقفية على أثره إن مقام الحديث غير مقام الآية فمقام الحديث مقام تعليم خاص لمن نشأ وشب وترجل في الإسلام فتقرّر قصر الحكم لديه على طرف الثمام ولذلك استغنى عنه وأما مقام هذه الآية فمقام مفتتح الوحي والتشريع واستهلال الوعظ والتقريع ، فناسب تأكيد الحكم بالقصر مع التعريض بحال الشرك الشنيع على أن تعليق الأمر بهما في جواب الشرط على حصول أيّ سؤال وأية استعانة يفيد مفاد القصر تعريضا بالمشركين وبراءة من صنيعهم فقد كانوا يستعينون بآلهتهم. ومن ذلك الاستقسام بالأزلام الموضوعة عند الآلهة والأصنام.
وضميرا (نَعْبُدُ) و (نَسْتَعِينُ) يعودان إلى تالي السورة ذاكرا معه جماعة المؤمنين. وفي العدول عن ضمير الواحد إلى الإتيان بضمير المتكلم المشارك الدلالة على أن هذه المحامد صادرة من جماعات ، ففيه إغاظة للمشركين إذ يعلمون أن المسلمين صاروا في عزة ومنعة ، ولأنه أبلغ في الثناء من أعبد وأستعين لئلا تخلو المناجاة عن ثناء أيضا بأن المحمود المعبود المستعان قد شهد له الجماعات وعرفوا فضله ، وقريب من هذا قول النابغة في رثاء النعمان بن الحارث الغساني :
قعودا له غسان يرجون أوبة |
|
وترك ورهط الأعجمين وكابل |
إذ قصد من تعداد أصناف من الأمم الكناية عن عظمة النعمان وكثرة رعيته. فكأنّ الحامد لما انتقل من الحمد إلى المناجاة لم يغادر فرصة يقتنص منها الثناء إلا انتهزها.
ووجهه تقديم قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) على قوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أن العبادة تقرّب للخالق تعالى فهي أجدر بالتقديم في المناجاة ، وأما الاستعانة فهي لنفع المخلوق للتيسير عليه فناسب أن يقدّم المناجي ما هو من عزمه وصنعه على ما يسأله مما يعين على ذلك ،