بأن يعلم عشرة من غلمان أهل المدينة الكتابة فتعلم زيد بن ثابت في جماعة ، وكانت الشفاء بنت عبد الله القرشية تحسن الكتابة وهي علمتها لحفصة أم المؤمنين. ويوجد في أساطير العرب ما يقتضي أن أهل الحجاز تعلموا الكتابة من أهل مدين في جوارهم فقد ذكروا قصة وهي أن المحض بن جندل من أهل مدين وكان ملكا كان له ستة أبناء وهم : أبجد ، وهوز ، وحطي ، وكلمن ، وسعفص ، وقرشت ، فجعل أبناءه ملوكا على بلاد مدين وما حولها فجعل أبجد بمكة وجعل هوزا وحطيا بالطائف ونجد ، وجعل الثلاثة الباقين بمدين ، وأن كلمنا كان في زمن شعيب وهو من الذين أخذهم عذاب يوم الظلة (١) قالوا فكانت حروف الهجاء أسماء هؤلاء الملوك ثم ألحقوا بها ثخذ وضغط فهذا يقتضي أن القصة مصنوعة لتلقين الأطفال حروف المعجم بطريقة سهلة تناسب عقولهم وتقتضي أن حروف ثخذ وضغظ لم تكن في معجم أهل مدين فألحقها أهل الحجاز ، وحقا إنها من الحروف غير الكثيرة الاستعمال ولا الموجودة في كل اللغات إلا أن هذا القول يبعده عدم وجود جميع الحروف في فواتح السور بل الموجود نصفها كما سيأتي بيانه من كلام «الكشاف».
القول السادس عشر : أنها حروف قصد منها تنبيه السامع مثل النداء المقصود به التنبيه في قولك يافتى لإيقاظ ذهن السامع قاله ثعلب والأخفش وأبو عبيدة ، قال ابن عطية كما يقول في إنشاد أشهر القصائد لا وبل لا ، قال الفخر في تفسير سورة العنكبوت : إن الحكيم إذا خاطب من يكون محل الغفلة أو مشغول البال يقدّم على الكلام المقصود شيئا ليلفت المخاطب إليه بسبب ذلك المقدم ثم يشرع في المقصود فقد يكون ذلك المقدم كلاما مثل النداء وحروف الاستفتاح ، وقد يكون المقدم صوتا كمن يصفق ليقبل عليه السامع فاختار الحكيم للتنبيه حروفا من حروف التهجي لتكون دلالتها على قصد التنبيه متعينة إذ ليس لها مفهوم فتمحضت للتنبيه على غرض مهم.
القول السابع عشر : أنها إعجاز بالفعل وهو أن النبي الأمي الذي لم يقرأ قد نطق
__________________
(١) الظلة : السحابة وقد أصابتهم صواعق فذكروا أن حارثة ابنة كلمن قالت ترثي أباها :
كلمن هدم ركني |
|
هلكه وسط المحلة |
سيد القوم أتاه ال |
|
حتف نارا وسط ظله |
كونت نارا وأضحت |
|
دار قومي مضمحلة |
ومسحة التوليد ظاهرة على هاته الأبيات.