في كتاب من «الإحياء» (١) : إذا قلنا في قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة» فهذا ظاهره أو إشارته أن القلب بيت وهو مهبط الملائكة ومستقر آثارهم ، والصفات الرديئة كالغضب والشهوة والحسد والحقد والعجب كلاب نابحة في القلب فلا تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب ، ونور الله لا يقذفه في القلب إلا بواسطة الملائكة ، فقلب كهذا لا يقذف فيه النور. وقال ولست أقوال إن المراد من الحديث بلفظ البيت القلب وبالكلب الصفة المذمومة ولكن أقول هو تنبيه عليه ، وفرق بين تغيير الظاهر وبين التنبيه على البواطن من ذكر الظواهر ا ه فبهذه الدقيقة فارق نزعة الباطنية. ومثل هذا قريب من تفسير لفظ عامّ في آية بخاصّ من جزئياته كما وقع في كتاب المغازي من «صحيح البخاري» عن عمرو بن عطاء في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) [إبراهيم : ٢٨] قال هم كفار قريش ، ومحمد نعمة الله : (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) [إبراهيم : ٢٨] قال يوم بدر.
وابن العربي في كتاب «العواصم» يرى إبطال هذه الإشارات كلها حتى أنه بعد أن ذكر نحلة الباطنية وذكر «رسائل إخوان الصفاء» أطلق القول في إبطال أن يكون للقرآن باطن غير ظاهره ، وحتى أنه بعد ما نوه بالثناء على الغزالي في تصديه للرد على الباطنية والفلاسفة قال : «وقد كان أبو حامد بدرا في ظلمة الليالي ، وعقدا في لبّة المعالي ، حتى أوغل في التصوف ، وأكثر معهم التصرف ، فخرج عن الحقيقة، وحاد في أكثر أقواله عن الطريقة ا ه».
وعندي أن هذه الإشارات لا تعدو واحدا من ثلاثة أنحاء : الأول ما كان يجري فيه معنى الآية مجرى التمثيل لحال شبيه بذلك المعنى كما يقولون مثلا : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) أنه إشارة للقلوب لأنها مواضع الخضوع لله تعالى إذ بها يعرف فتسجد له القلوب بفناء النفوس. ومنعها من ذكره هو الحيلولة بينها وبين المعارف اللدنية ، (وَسَعى فِي خَرابِها) [البقرة : ١١٤] بتكديرها بالتعصبات وغلبة الهوى ، فهذا يشبه ضرب المثل لحال من لا يزكي نفسه بالمعرفة ويمنع قلبه أن تدخله صفات الكمال الناشئة عنها بحال مانع المساجد أن يذكر فيها اسم الله ، وذكر الآية عند تلك
__________________
(١) ج ١ / ٤٩ ـ دار المعرفة ـ «كتاب العلم». الباب الخامس : في آداب المتعلم والمعلم. انظر أيضا : «إتحاف الزبيدي» ١ / ٣٠٦.