أبو جعفر إذا كان ما قبل الهمزة ساكنا صحيحا نحو : (وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَ) في سورة يوسف [٣١] ا ه وإنما حملوا عليه هذه الحملة لأن قراءته معدودة في القراءات المتواترة فما كان يحسن فيها مثل هذا الشذوذ ، وإن كان شذوذا في وجوه الأداء لا يخالف رسم المصحف.
وعطف (فَسَجَدُوا) بفاء التعقيب يشير إلى مبادرة الملائكة بالامتثال ولم يصدّهم ما كان في نفوسهم من التخوف من أن يكون هذا المخلوق مظهر فساد وسفك دماء لأنهم منزّهون عن المعاصي.
واستثناء إبليس من ضمير الملائكة في (فَسَجَدُوا) استثناء منقطع لأن إبليس لم يكن من جنس الملائكة قال تعالى في سورة الكهف [٥٠] (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) ولكن الله جعل أحواله كأحوال النفوس الملكية بتوفيق غلب على جبلته لتتأتى معاشرته بهم وسيره على سيرتهم فساغ استثناء حاله من أحوالهم في مظنة أن يكون مماثلا لمن هو فيهم.
وقد دلت الآية على أن إبليس كان مقصودا في الخبر الذي أخبر به الملائكة إذ قال للملائكة (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] وفي الأمر الذي أمر به الملائكة إذ قال لهم (اسْجُدُوا لِآدَمَ) ذلك أن جنس المجردات كان في ذلك العالم مغمورا بنوع الملك إذ خلق الله من نوعهم أفرادا كثيرة كما دل عليه صيغة الجمع في قوله : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) [البقرة : ٣٠] ولم يخلق الله من نوع الجن إلا أصلهم وهو إبليس ، وخلق من نوع الإنسان أصلهم وهو آدم. وقد أقام الله إبليس بين الملائكة إقامة ارتياض وتخلق وسخره لاتباع سنتهم فجرى على ذلك السّنن أمدا طويلا لا يعلمه إلا الله ثم ظهر ما في نوعه من الخبث كما أشار إليه قوله تعالى : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) في سورة الكهف [٥٠] فعصى ربه حين أمره بالسجود لآدم.
وإبليس اسم الشيطان الأول الذي هو مولد الشياطين ، فكان إبليس لنوع الشياطين والجن بمنزلة آدم لنوع الإنسان. وإبليس اسم معرب من لغة غير عربية لم يعينها أهل اللغة ، ولكن يدل لكونه معربا أن العرب منعوه من الصرف ولا سبب فيه سوى العلمية والعجمة ولهذا جعل الزجاج همزته أصلية ، وقال وزنه على فعليل. وقال أبو عبيدة : هو اسم عربي مشتق من الإبلاس وهو البعد من الخير واليأس من الرحمة وهذا اشتقاق حسن لو لا أنه يناكد منعه من الصرف وجعلوا وزنه إفعيل لأن همزته مزيدة وقد اعتذر عن منعه