وحقيقة الكبر قال فيها حجة الإسلام في كتاب «الإحياء» : الكبر خلق في النفس وهو الاسترواح والركون إلى اعتقاد المرء نفسه فوق التكبر عليه ، فإن الكبر يستدعي متكبرا عليه ومتكبرا به وبذلك ينفصل الكبر عن العجب فإن العجب لا يستدعي غير المعجب ولا يكفي أن يستعظم المرء نفسه ليكون متكبرا فإنه قد يستعظم نفسه ولكنه يرى غيره أعظم من نفسه أو مماثلا لها فلا يتكبر عليه ، ولا يكفي أن يستحقر غيره فإنه مع ذلك لو رأى نفسه أحقر لم يتكبر ولو رأى غيره مثل نفسه لم يتكبر بل أن يرى لنفسه مرتبة ولغيره مرتبة ثم يرى مرتبة نفسه فوق مرتبة غيره ، فعند هذه الاعتقادات الثلاثة يحصل خلق الكبر وهذه العقيدة تنفخ فيه فيحصل في نفسه اعتداد وعزة وفرح وركون إلى ما اعتقد ، وعز في نفسه بسبب ذلك فتلك العزة والهزة والركون إلى تلك العقيدة هو خلق الكبر.
وقد كانت هذه الآية ونظائرها مثار اختلاف بين علماء أصول الفقه فيما تقتضيه دلالة الاستثناء من حكم يثبت للمستثنى فقال الجمهور : الاستثناء يقتضي اتصاف المستثنى بنقيض ما حكم به للمستثنى منه فلذلك كثر الاكتفاء بالاستثناء دون أن يتبع بذكر حكم معين للمستثنى سواء كان الكلام مثبتا أو منفيا. ويظهر ذلك جليا في كلمة الشهادة لا إله إلا الله فإنه لو لا إفادة الاستثناء أن المستثنى يثبت له نقيض ما حكم به للمستثنى منه لكانت كلمة الشهادة غير مفيدة سوى نفي الإلهية عما عدا الله فتكون إفادتها الوحدانية لله بالالتزام.
وقال أبو حنيفة الاستثناء من كلام منفي يثبت للمستثنى نقيض ما حكم به للمستثنى منه ، والاستثناء من كلام مثبت لا يفيد إلا أن المستثنى يثبت له نقيض الحكم لا نقيض المحكوم به ، فالمستثنى بمنزلة المسكوت عن وصفه ، فعند الجمهور المستثنى مخرج من الوصف المحكوم به للمستثنى منه وعند أبي حنيفة المستثنى مخرج من الحكم عليه فهو كالمسكوت عنه.
وسوى المتأخرون من الحنفية بين الاستثناء من كلام منفي والاستثناء من كلام مثبت في أن كليهما لا يفيد المستثنى الاتصاف بنقيض المحكوم به للمستثنى منه وهذا رأي ضعيف لا تساعده اللغة ولا موارد استعماله في الشريعة.
فعلى رأي الجمهور تكون جملة (أَبى وَاسْتَكْبَرَ) استئنافا بيانيا ، وعلى رأي الحنفية تكون بيانا للإجمال الذي اقتضاه الاستثناء ولا تنهض منها حجة تقطع الجدال بين الفريقين.