كما علمت وأجاب القرطبي عن القياس بأن الصلاة والصوم عبادتان قاصرتان وأما التعليم فعبادة متعدية فيجوز أخذ الأجر على ذلك الفعل وهذا فارق مؤثر. وأما حديث أبي هريرة وحديث عبادة ففيهما ضعف من جهة إسناديهما كما بينه القرطبي ، قلت ولا أحسب الزهري يستند لمثلهما ولا للآية ولا لذلك القياس ولكنه رآه واجبا فلا تؤخذ عليه أجرة وقد أفتى متأخرو الحنفية بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والفقه قال في «الدرر» و«شرحه» : «ويفتى اليوم بصحتها ـ أي الإجارة لتعليم القرآن والفقه ـ والأصل أن الإجارة لا تجوز عندنا على الطاعات والمعاصي لكن لما وقع الفتور في الأمور الدينية جوزها المتأخرون» ا ه.
ومن فروع هاته المسألة جواز أخذ الأجرة على الأذان والإمامة ، قال ابن عبد البر هي مأخوذة من مسألة الأجر على تعليم القرآن وحكمهما واحد ، وفي المدونة تجوز الإجارة على الأذان وعلى الأذان والصلاة معا وأما على الصلاة وحدها فكرهه مالك ، قال ابن شاس جازت على الأذان لأن المؤذن لا يلزمه الإتيان به أما جمعه مع الصلاة فالأجرة على الأذان فقط ، وأجاز ابن عبد الحكم الإجارة على الإمامة ووجهه أنه تكلف الصلاة في ذلك الموضع في ذلك الوقت ، وروى أشهب عن مالك لا بأس بالأجر على تراويح رمضان وكرهه في الفريضة قال القرطبي : وكرهها أبو حنيفة وأصحابه وفي «الدرر» ويفتى اليوم بصحتها لتعليم القرآن والفقه والإمامة والأذان ويجبر المستأجر على دفع الأجرة ويحبس ، وقال القرافي في الفرق الخامس عشر والمائة : ولا يجوز في إمامة الصلاة الإجارة على المشهور من مذهب مالك لأنها عقد مكايسة من المعاوضات فلا يجوز أن يحصل العوضان فيها لشخص واحد لأن أجر الصلاة له فإذا أخذ عنها عوضا اجتمع له العوضان ا ه. وهو تعليل مبني على أصل واه قدمه في الفرق الرابع عشر والمائة على أن في كونه من فروع ذلك الأصل نظرا لا نطيل فيه فانظره فقد نبهتك إليه ، فالحق أن الكراهة المنقولة عن مالك كراهة تنزيه. وهذه المسألة كانت قد حدثت بين ابن عرفة والدكالي وهي أنه ورد على تونس في حدود سنة سبعين وسبعمائة رجل زاهد من المغرب اسمه محمد الدكالي فكان لا يصلي مع الجماعة ولا يشهد الجمعة معتلا بأن أئمة تونس يأخذون الأجور على الإمامة وذلك جرحة في فاعله فأنكر عليه الشيخ ابن عرفة وشاع أمره عند العامة وحدث خلاف بين الناس فخرج إلى المشرق فارا بنفسه وبلغ أنه ذهب لمصر فكتب ابن عرفة إلى أهل مصر أبياتا هي :