شدة اتقاء لمواليه ، وما فسرنا به أرشق. وقد جمع كلام شيوخ بني أسد مع إمرئ القيس حين كلموه في دم أبيه حجر فقالوا : فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال ثلاث : أما إن اخترت من بني أسد أشرفها بيتا فقدناه إليك بنسعه تذهب مع شفرات حسامك بباقي قصرته ، أو فداء بما يروح على بني أسد من نعمها فهي ألوف ، وإما وادعتنا إلى أن تضع الحوامل فتسدل الأزر وتعقد الخمر فوق الرايات» ا ه.
وقرأ الجمهور (ولا يقبل) بياء تحتية ياء المضارع المسند إلى مذكر لمناسبة قوله بعده : (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) ، ويجوز في كل مؤنث اللفظ غير حقيقي التأنيث أن يعامل معاملة المذكر لأن صيغة التذكير هي الأصل في الكلام فلا تحتاج إلى سبب ، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بمثناة فوقية رعيا لتأنيث لفظ (شفاعة).
والشفاعة : السعي والوساطة في حصول نفع أو دفع ضر سواء كانت الوساطة بطلب من المنتفع بها أم كانت بمجرد سعي المتوسط ويقال لطالب الشفاعة مستشفع. وهي مشتقة من الشفع لأن الطالب أو التائب يأتي وحده فإذا لم يجد قبولا ذهب فأتى بمن يتوسل به فصار ذلك الثاني شافعا للأول أي مصيّره شفعا.
والعدل ـ بفتح العين ـ العوض والفداء ، سمي بالمصدر لأن الفادي يعدل المفدى بمثله في القيمة أو العين ويسويه به ، يقال عدل كذا بكذا أي سواه به.
والنصر هو إعانة الخصم في الحرب وغيره بقوة الناصر وغلبته. وإنما قدم المسند إليه لزيادة التأكيد المفيد أن انتفاء نصرهم محقق زيادة على ما استفيد من نفي الفعل مع إسناده للمجهول كما أشرنا إليه آنفا.
وقد كانت اليهود تتوهم أو تعتقد أن نسبتهم إلى الأنبياء وكرامة أجدادهم عند الله تعالى مما يجعلهم في أمن من عقابه على العصيان والتمرد كما هو شأن الأمم في إبان جهالتها وانحطاطها وقد أشار لذلك قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) [المائدة : ١٨].
وقد تمسك المعتزلة بهذه الآية للاحتجاج لقولهم بنفي الشفاعة في أهل الكبائر يوم القيامة لعموم (نفس) في سياق النفي المقتضي أن كل نفس لا يقبل منها شفاعة وهو عموم لم يرد ما يخصصه عندهم. والمسألة فيها خلاف بين المعتزلة وأصحاب الأشعري.
واتفق المسلمون على ثبوت الشفاعة يوم القيامة للطائعين والتائبين لرفع الدرجات ،