يسلكوا الطريق المألوف لبلاد الشام إذ تركوا أن يسلكوا طريق شاطئ بحر الروم (المتوسط) فيدخلوا برية سينا من غير أن يخترقوا البحر ولا يقطعوا أكثر من اثنتي عرة مرحلة أعني مائتين وخمسين ميلا وسلكوا طريقا جنوبية شرقية حول أعلى البحر الأحمر لئلا يسلكوا الطريق المألوفة الآهلة بقوافل المصريين وجيوش الفراعنة فيصدوهم عن الاسترسال في سيرهم أو يلحق بهم فرعون من يردهم لأن موسى علم بوحي كما قال تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) [الشعراء : ٥٢] إن فرعون لا يلبث أن يصدهم عن المضي في سيرهم فلذلك سلك بهم ـ بالأمر الإلهي ـ طريقا غير مطروقة فكانوا مضطرين للوقوف أمام البحر في موضع يقال له «فم الحيروث» فهنالك ظهرت المعجزة إذ فلق الله لهم البحر بباهر قدرته فأمر موسى أن يضربه بعصاه فانفلق وصار فيه طريق يبس مرت عليه بنو إسرائيل وكان جند فرعون قد لحق بهم ورام اقتحام البحر وراءهم فانطبق البحر عليهم فغرقوا.
وقوله : (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) أي جنده وأنصاره. ولم يذكر في هاته الآية غرق فرعون لأن محل المنة هو إهلاك الذين كانوا المباشرين لتسخير بني إسرائيل وتعذيبهم والذين هم قوة فرعون وقد ذكر غرق فرعون في آيات أخرى نتكلم عليها في موضعها إن شاء الله ، وكان ذلك في زمن الملك «منفتاح» ويقال له «منفطة» أو «مينيتاه» من فراعنة العائلة التاسعة عشرة في ترتيب فراعنة مصر عند المؤرخين.
قوله : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) جملة حالية من الفاعل وهو ضمير الجلالة في (فَرَقْنا) وأنجينا و (أَغْرَقْنا) مقيدة للعوامل الثلاثة على سبيل التنازع فيها ، ولا يتصور في التنازع في الحال إضمار في الثاني على تقدير إعمال الأول لأن الجملة لا تضمر كما لا يضمر في التنازع في الظرف نحو سكن وقرأ عندك ولعل هذا مما يوجب إعمال الأول وهذا الحال زيادة في تقرير النعمة وتعظيمها فإن مشاهدة المنعم عليه للنعمة لذة عظيمة لا سيما ومشاهدة إغراق العدو أيضا نعمة زائدة كما أن مشاهدة فرق البحر نعمة عظيمة لما فيها من مشاهدة معجزة تزيدهم إيمانا وحادث لا تتأتى مشاهدته لأحد. ويجوز أن تكون الجملة حالا من المفعول وهو (آل فرعون) أي تنظرونهم ، ومفعول (تَنْظُرُونَ) محذوف
__________________
إسرائيل لحكم العمالقة ، وكان مقر الفراعنة أيام خروج مصر السفلى منهم بمدينة طيوة أو طيبة قاعدة مصر العليا ، ثم رجعوا لمنفيس وكان خروج بني إسرائيل من مدينة تسمى رعميس في جهات مصر السفلى.