فالوجه القالع للإشكال هو أن أئمة العربية قد اختلفوا في مفاد كاد المنفية في نحو ما كاد يفعل فذهب قوم منهم الزجاجي إلى أن نفيها يدل على نفي مقاربة الفعل وهو دليل على انتفاء وقوع الفعل بالأولى فيكون إثبات كاد نفيا لوقوع الخبر الذي في قولك كاد يقوم أي قارب فإنه لا يقال إلا إذا قارب ولم يفعل ونفيها نفيا للفعل بطريق فحوى الخطاب فهو كالمنطوق وأن ما ورد مما يوهم خلاف ذلك مؤول بأنه باعتبار وقتين فيكون بمنزلة كلامين ومنه قوله تعالى : (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) في هذه الآية أي فذبحوها الآن وما كادوا يفعلون قبل ذلك ، ولعلهم يجعلون الجمع بين خبرين متنافيين في الصورة قرينة على قصد زمانين ، وإلى هذا ذهب ابن مالك في «الكافية» إذ قال :
وبثبوت كاد ينفى الخبر |
|
وحين ينفى كاد ذاك أجدر |
وغير ذا على كلامين يرد |
|
كولدت هند ولم تكد تلد |
وهذا المذهب وقوف مع قياس الوضع.
وذهب قوم إلى أن إثبات كاد يستلزم نفي الخبر على الوجه الذي قررناه في تقرير المذهب الأول وأن نفيها يصير إثباتا على خلاف القياس وقد اشتهر هذا بين أهل الأعراب حتى ألغز فيه أبو العلاء المعري بقوله :
أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة |
|
أنت في لساني جرهم وثمود |
إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت |
|
وإن أثبتت قامت مقام جحود |
وقد احتجوا لذلك بقوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) وهذا من غرائب الاستعمال الجاري على خلاف الوضع اللغوي.
وقد جرت في هذا نادرة أدبية ذكرها الشيخ عبد القاهر في «دلائل الإعجاز» وهي أن عنبسة العنسي الشاعر قال : قدم ذو الرمة الكوفة فوقف على ناقته بالكناسة (١) ينشد قصيدته الحائية التي أولها :
أمنزلتي ميّ سلام عليكم |
|
على النّأي والنّائي يودّ وينصح |
حتى بلغ قوله فيها :
إذا غيّر النّأي المحبين لم يكد |
|
رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح |
__________________
(١) الكناسة : بضم الكاف أصله اسم لما يكنس ، وسمي بها ساحة بالكوفة مثل المربد بالبصرة.