أليس ورائي أن تراخت منيتي |
|
لزوم العصا تحني عليها الأصابع |
فمن ثم زعم بعضهم أن الوراء يطلق على الخلف والأمام إطلاق اسم الضدين واحتج ببيت لبيد وبقرآن وكان أمامهم ملك وقد علمت أنه لا حجة فيه ولذلك أنكر الآمدي في «الموازنة» كونه ضدا.
فالمراد بما وراءه في الآية بما عداه وتجاوزه أي بغيره والمقصود بهذا الغير هنا خصوص القرآن بقرينة السياق لتقدم قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) ولتعقيبه بقوله : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً).
وجملة (وَهُوَ الْحَقُ) حالية واللام في (الحق) للجنس والمقصود اشتهار المسند إليه بهذا الجنس أي وهو المشتهر بالحقية المسلم ذلك له على حد قول حسان :
وإن سنام المجد من آل هشام |
|
بنو بنت مخزوم ووالدك العبد |
لم يرد حسان انحصار العبودية في الوالد وإنما أراد أنه المعروف بذلك المشتهر به فليست اللام هنا مفيدة للحصر لأن تعريف المسند باللام لا تطرد إفادته الحصر على ما في «دلائل الإعجاز». وقيل يفيد الحصر باعتبار القيد أعني قوله (مُصَدِّقاً) أي هو المنحصر في كونه حقا مع كونه مصدقا فإن غيره من الكتب السماوية حق لكنه ليس مصدقا لما معهم ولعل صاحب هذا التفسير يعتبر الإنجيل غير متعرض لتصديق التوراة بل مقتصرا على تحليل بعض المحرمات وذلك يشبه عدم التصديق. ففي الآية صد لبني إسرائيل عن مقابلة القرآن بمثل ما قابلوا به الإنجيل وزيادة في توبيخهم.
وقوله : (مُصَدِّقاً) حال مؤكدة لقوله : (وَهُوَ الْحَقُ) وهذه الآية علم في التمثيل للحال المؤكدة وعندي أنها حال مؤسسة لأن قوله (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) مشعر بوصف زائد على مضمون (وَهُوَ الْحَقُ) إذ قد يكون الكتاب حقا ولا يصدق كتابا آخر ولا يكذبه وفي مجيء الحال من الحال زيادة في استحضار شئونهم وهيئاتهم.
وقوله : (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فصله عما قبله لأنه اعتراض في أثناء ذكر أحوالهم قصد به الرد عليهم في معذرتهم هذه لإظهار أن معاداة الأنبياء دأب لهم وأن قولهم : (نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) كذب إذ لو كان حقا لما قتل أسلافهم الأنبياء الذين هم من قومهم ودعوهم إلى تأييد التوراة والأمر بالعمل بها ولكنهم يعرضون عن كل ما لا يوافق أهواءهم. وهذا إلزام للحاضرين بما فعله أسلافهم لأنهم