الخالصة السالمة من مشاركة غيركم لكم فيها فهو يؤول إلى معنى خاصة بكم.
وقوله : (مِنْ دُونِ النَّاسِ) دون في الأصل ظرف للمكان الأقرب من مكان آخر غير متصرف وهو مجاز في المفارقة فلذلك تدل على تخالف الأوصاف أو الأحوال ، تقول هذا لك دون زيد أي لا حق لزيد فيه فقوله : (مِنْ دُونِ النَّاسِ) توكيد لمعنى الاختصاص المستفاد من تقديم الخبر ومن قوله : (خالِصَةً) لدفع احتمال أن يكون المراد من الخلوص الصفاء من المشارك في درجاتهم مع كونه له حظ من النعيم. والمراد من الناس جميع الناس فاللام فيه للاستغراق لأنهم قالوا : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً) [البقرة : ١١١].
وقوله : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) جواب الشرط ووجه الملازمة بين الشرط ـ وهو أن الدار الآخرة لهم ـ وجزائه ـ وهو تمني الموت ـ أن الدار الآخرة لا يخلص أحد إليها إلا بالروح حين تفارق جسده ومفارقة الروح الجسد هو الموت فإذا كان الموت هو سبب مصيرهم إلى الخيرات كان الشأن أن يتمنوا حلوله كما كان شأن أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم كما قال عمير بن الحمام رضياللهعنه :
جريا إلى الله بغير زاد |
|
إلا التقى وعمل المعاد |
وارتجز جعفر بن أبي طالب يوم غزوة مؤتة حين اقتحم على المشركين بقوله :
يا حبذا الجنة واقترابها |
|
طيبة وبارد شرابها |
وقال عبد الله بن رواحة عند خروجه إلى غزوة مؤتة ودعا المسلمون له ولمن معه أن يردهم الله سالمين :
لكني أسأل الرحمن مغفرة |
|
وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا |
أو طعنة من يدي حران مجهزة |
|
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا |
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي |
|
أرشدك الله من غاز وقد رشدا |
وجملة (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) إلى آخره معترضة بين جملة (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ) وبين جملة (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) [البقرة : ٩٧] والكلام موجه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين إعلاما لهم ليزدادوا يقينا وليحصل منه تحد لليهود إذ يسمعونه ويودون أن يخالفوه لئلا ينهض حجة على صدق المخبر به فيلزمهم أن الدار الآخرة ليست لهم.
وقوله : (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) يشير إلى أنهم قد صاروا في عقيدة مختلطة متناقضة