وجمع المساجد وإن كان المشركون منعوا الكعبة فقط إما للتعظيم فإن الجمع يجيء للتعظيم كقوله تعالى : (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ) [الفرقان : ٣٧] ، وإما لما فيه من أماكن العبادة وهي البيت والمسجد الحرام ومقام إبراهيم والحطيم ، وإما لما يتصل به أيضا من الخيف ومنى والمشعر الحرام وكلها مساجد والإضافة على هذه الوجوه على معنى لام التعريف العهدي ، وإما لقصد دخول جميع مساجد الله لأنه جمع تعرف بالإضافة ووقع في سياق منع الذي هو في معنى النفي ليشمل الوعيد كل مخرب لمسجد أو مانع من العبادة بتعطيله عن إقامة العبادات ويدخل المشركون في ذلك دخولا أوليا على حكم ورود العام على سبب خاص والإضافة على هذا الوجه على معنى لام الاستغراق ولعل ضمير الجمع المنصوب في قوله : (أَنْ يَدْخُلُوها) يؤيد أن المراد من المساجد مساجد معلومة لأن هذا الوعيد لا يتعدى لكل من منع مسجدا إذ هو عقاب دنيوي لا يلزم اطراده في أمثال المعاقب. والمراد من المنع منع العبادة في أوقاتها الخاصة بها كالطواف والجماعة إذا قصد بالمنع حرمان فريق من المتأهلين لها منها. وليس منه غلق المساجد في غير أوقات الجماعة لأن صلاة الفذ لا تفضل في المسجد على غيره ، وكذلك غلقها من دخول الصبيان والمسافرين للنوم ، وقد سئل ابن عرفة في درس التفسير عن هذا فقال : غلق باب المسجد في غير أوقات الصلاة حفظ وصيانة ا ه. وكذلك منع غير المتأهل لدخوله وقد منع رسول الله المشركين الطواف والحج ومنع مالك الكافر من دخول المسجد ومعلوم منع الجنب والحائض.
والسعي أصله المشي ثم صار مجازا مشهورا في التسبب المقصود كالحقيقة العرفية نحو (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى) [النازعات : ٢٢] ويعدى بفي الدالة على التعليل نحو : سعيت في حاجتك فالمنع هنا حقيقة على الرواية الأولى المتقدمة في سبب النزول والسعي مجاز في التسبب غير المقصود فهو مجاز على مجاز. وأما على الروايتين الأخريين فالمنع مجاز والسعي حقيقة لأن بختنصر وطيطس لم يمنعا أحدا من الذكر ولكنهما تسببا في الخراب بالأمر بالتخريب فأفضى ذلك إلى المنع وآل إليه.
وقوله : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) جملة مستأنفة تغني عن سؤال ناشئ عن قوله : (مَنْ أَظْلَمُ) أو عن قوله : (سَعى) لأن السامع إذا علم أن فاعل هذا أظلم الناس أو سمع هذه الجرأة وهي السعي في الخراب تطلب بيان جزاء من اتصف بذلك أو فعل هذا. ويجوز كونها اعتراضا بين (مَنْ أَظْلَمُ) وقوله : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا