الناظرين. وزائر بين ضباح الزائرين (١) ، فجعلت حقا عليّ أن أبدي في تفسير القرآن نكتا لم أر من سبقني إليها ، وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة لها وآونة عليها ، فإن الاقتصار على الحديث المعاد ، تعطيل لفيض القرآن الذي ما له من نفاد.
ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين : رجل معتكف فيما أشاده الأقدمون ، وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون ، وفي كلتا الحالتين ضرّ كثير ، وهنا لك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير ، وهي أن نعمد إلى ما شاده الأقدمون فنهذبه ونزيده ، وحاشا أن ننقضه أو نبيده ، عالما بأن غمض فضلهم كفران للنعمة ، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمّة ، فالحمد لله الذي صدّق الأمل ، ويسّر إلى هذا الخير ودلّ.
والتفاسير وإن كانت كثيرة فإنك لا تجد الكثير منها إلا عالة على كلام سابق بحيث لا حظّ لمؤلفه إلا الجمع على تفاوت بين اختصار وتطويل. وإن أهم التفاسير تفسير «الكشاف» و«المحرر الوجيز» لابن عطية و«مفاتيح الغيب» لفخر الدين الرازي ، و«تفسير البيضاوي» الملخص من «الكشاف» ومن «مفاتيح الغيب» بتحقيق بديع ، و«تفسير الشهاب الآلوسي» ، وما كتبه الطيبي والقزويني والقطب والتفتازانيّ على «الكشاف» ، وما كتبه الخفاجي على «تفسير البيضاوي» ، و«تفسير أبي السعود» ، و«تفسير القرطبي» والموجود من «تفسير الشيخ محمد بن عرفة التونسي» من تقييد تلميذه الأبيّ وهو بكونه تعليقا على «تفسير ابن عطية» أشبه منه بالتفسير ، لذلك لا يأتي على جميع آي القرآن ، و«تفاسير الأحكام ، وتفسير الإمام محمد ابن جرير الطبري» ، وكتاب «درة التنزيل» المنسوب لفخر الدين الرازي ، وربما ينسب للراغب الأصفهاني. ولقصد الاختصار أعرض عن العزو إليها ، وقد ميزت ما يفتح الله لي من فهم في معاني كتابه وما أجلبه من المسائل العلمية ، مما لا يذكره المفسرون ، وإنما حسبي في ذلك عدم عثوري عليه فيما بين يديّ من التفاسير في تلك الآية خاصة ، ولست أدعي انفرادي به في نفس الأمر ، فكم من كلام تنشئه ، تجدك قد سبقك إليه متكلم ، وكم من فهم تستظهره وقد تقدّمك إليه متفهّم ، وقديما قيل :
__________________
(١) الزائرين هنا اسم فاعل من زأر بهمزة بعد الزاي ، وهو الذي مصدره الزئير ، وهو صوت الأسد قال عنترة :
حلّت بأرض الزائرين فأصبحت |
|
عسرا عليّ طلابك ابنة مخرم |