هذا تحديد للمكلف الذي يجب عليه حج التمتع بالنائي عن مكة ، وقد كنى عنه ب (لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وقدّر في السنة الشريفة بمن كان بينه وبين المسجد الحرام أكثر من اثني عشر ميلا. ويقول صاحب الميزان في استيحاء ذلك : «وفيه إيماء إلى حكمة التشريع وهو التخفيف والتسهيل ، فإن المسافر من البلاد النائية للحج ـ وهو عمل لا يخلو من الكد ومقاساة التعب ووعثاء الطريق ـ لا يخلو عن الحاجة إلى السكن والراحة. والإنسان إنما يسكن ويستريح عند أهله ، وليس للنائي أهل عند المسجد الحرام ، فبدّله الله سبحانه من التمتع بالعمرة إلى الحج والإهلال بالحج من المسجد الحرام ، من غير أن يسير ثانيا إلى الميقات» (١).
(وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) يذكر صاحب الميزان في التعليق على هذه الفقرة من الآية أن «التشديد البالغ في هذا التذليل ، مع أن صدر الكلام لم يشتمل على أزيد من تشريع حكم في الحج ينبئ عن أن المخاطبين كان المترقب من حالهم إنكار الحكم أو التوقف في قبوله ، وكذلك كان الأمر ، فإن الحج خاصة من بين الأحكام المشرّعة في الدين كان موجودا بينهم من عصر إبراهيم الخليل ، معروفا عندهم ، معمولا به فيهم ، قد أنسته نفوسهم وألفته قلوبهم ، وقد أمضاه الإسلام على ما كان تقريبا إلى آخر عهد النبي ، فلم يكن تغيير وضعه أمرا هيّنا سهل القبول عندهم ، ولذلك قابلوه بالإنكار. وكان ذلك غير واقع في نفوس كثير منهم على ما يظهر من الروايات ، ولذلك اضطر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أن يخطبهم ، فبيّن لهم أن الحكم لله يحكم ما يشاء ، وأنه حكم عام لا يستثني فيه أحد من نبي أو أمة ، فهذا هو الموجب للتشديد الذي في آخر الآية بالأمر بالتقوى والتحذير من عقاب الله سبحانه» (٢).
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ٧٩.
(٢) م. ن. ، ج : ٢ ، ص : ٧٩.