خلال الحج ، ولكن الله يريد منهم أن لا يجعلوا الحج مجرد موسم أو مناسبة يذكرون فيها اسم الله ، ثم تقف القضية عند هذا الحد فلا يبقى لله أي حضور في نفوسهم أو ألسنتهم ، بل يكون دوره أن يفتح قلوبهم على الله في امتداد روحيّ مستمرّ ، لا ينتهي إلا ليبدأ من جديد ، حتى يصبح ذكر الله ـ بعد الحج ـ ملحّا بالمستوى الذي لا يدانيه ذكر أي إنسان آخر حتى في مستوى الآباء.
ونقف ـ في هذا المجال ـ على نموذجين من الناس ؛ أحدهما : الذي يصدق عليه قوله تعالى : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) النموذج الذي إذا ذكر الله وأراد أن يدعوه في موقفه هذا ، لم يذكر إلا حياته الدنيا ، وشهواته فيها ، ومطامعه ، ومطامحه ... من دون أن يفكر في الآخرة من قريب أو من بعيد. فهو يطلب من الله أن يؤتيه الدنيا ويقف عندها جامد الإحساس ، جائع الأحلام ، ظامئ المشاعر ... ولا نصيب لهذا في الآخرة لأنها ليست واردة في حسابه على كل حال ، ولذلك فإن الله لا يحسب حسابه في ثوابه ورضوانه.
ثانيهما : هو مصداق قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) النموذج الذي يتمسك بالخط الإسلامي المتوازن الذي يجمع بين الدنيا والآخرة ، فهو يعتبر الدنيا حقلا من حقول العمل التي أراد الله للإنسان أن يعيش فيها حياة طيبة ، يمارس فيها الطيبات ويقبل فيها على ما أحله الله له من شهوات وملذات ؛ ولهذا فهو يطلب من الله أن يؤتيه في الدنيا حسنة ، ثم يرى أن الآخرة هي نهاية المطاف ، فهي دار المصير الذي يجد فيه كل إنسان دار خلوده في الجنة أو في النار ، ولذلك فهو يطلب من الله أن يؤتيه فيها حسنة. ومثل هذا النموذج قريب إلى الله ، (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) ولذلك فإن له نصيبا مما كسبه من عمله الصالح في الدنيا ، فيجد أمامه الجزاء الكبير في دنياه وآخرته. والله سريع الحساب ،