وربما كان التعبير ب (خُطُواتِ الشَّيْطانِ) يختزن في مضمونه الإيحاء ـ ولو من بعيد ـ بالتدريجية في طريقة الشيطان في أساليبه الخداعة المغرية ، بحيث يتحرك مع الإنسان خطوة خطوة ، ليؤدي به إلى الهلاك في نهاية المطاف ، إذ إن الإنسان إذا استغفر في الاندفاع في الطريق بالخطوة الأولى ، فإنها تجتذب الخطوة الثانية والثالثة إلى نهاية الطريق ، مما يفرض على الإنسان أن يعي الخطة الشيطانية منذ البداية عند ما يبدأ حركته في الطريق ، فإن الوعي في نقطة الانطلاق هو الذي يحمي الإنسان من نقطة النهاية ، لأن الوعي في الحركة الأولى يجتذب وعي الحركة في آخر الطريق.
وفي آية أخرى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) [فاطر : ٦]. فقد نجد في هذا التركيز على العداوة إشارة إلى طبيعة الحاجز النفسي الذي يجب أن يعيشه الإنسان في كيانه ضد كل إيحاءات الشيطان ، ليثير من خلاله الريبة والشك وعدم الثقة ، من موقع العداوة المتأصلة ، ليفكر طويلا قبل أن يستسلم لأية كلمة أو فكرة أو حركة مهما كانت ظاهرة الصدق والبساطة والإيمان ، ليكتشف طبيعة الزيف أو الإخلاص في داخلها تبعا لوعي الفكر وذكاء الشعور ، ليرفض أو يؤيد من موقع المعاناة والتأمل العميقين.
وجاءت هذه الفقرة في هذه الآية (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) لتوجه الإنسان إلى دراسة الطريق جيدا في كل خطواته ، لا سيما إذا كان الجو جو الدعوة إلى السّلام ؛ فإن الشّيطان يعرف كيف يسخّر الخطوات الساذجة لتسير في الاتجاه الذي يريده ، من أجل تخريب خطوات السّلام وإضاعتها في مهب الرياح الذاتية والحزبية والعصبية وغير ذلك من الأمور التي تفرق الناس وتشتتهم شيعا وأحزابا بمختلف الأسماء والألوان والأشكال ، كما ألمحنا إليه في بداية الحديث ، الأمر الذي يدفعنا إلى أن نحدد الخط الفاصل بين أهداف الشيطان وأهداف الرحمن ، لنكتشف طبيعة الخطوات من خلال اكتشاف طبيعة