بينما تكون الساحة مثارا لخطط كافرة جهنمية تتحرك من مواقع الاستعمار تارة ، وقواعد الكفر أخرى ، مما يجعل من إثارة هذا الجو أساسا لتنفيذ كل مخططاته القريبة والبعيدة من دون شعور وانتباه ؛ تماما ككثير من كلمات الحق التي يقصد بها الباطل أو تتحرك في خدمته.
وفي ضوء ذلك ، كان التأكيد الدائم من الله في آياته على مراعاة الدقة في التعامل مع الشيطان في كل خطواته ، لأنه يسلك أخفى الطرق وأدق الوسائل في النفاذ إلى وعي الإنسان وفكره ، بحيث يتركه ضائعا بين طريق الحق والباطل لتشابه المعالم والملامح بين الطريقين. وهذا ما نجده في بعض الآيات الكريمة كقوله تعالى : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) [الإسراء : ٥٣]. فقد كان التأكيد على القول الأحسن منطلقا من استغلال الشيطان لكل الثغرات الموجودة في جو الكلمة غير المدروسة ومدلولها وحروفها ، مما يمكن أن يثير بعض المشاعر والأحاسيس الذاتية المعقدة التي يمكن أن يتفاداها الإنسان بلباقة ، باستعمال كلمة أخرى تؤدي الفكرة نفسها بعيدا عن كثير من السلبيات بأسلوب أفضل وجوّ أحسن.
(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) فهو لا يريد لكم الخير في وساوسه وتسويلاته وتزيينه ، بل يريد لكم الشر من خلال استغلال نقاط الضعف الكامنة في شخصياتكم ، ليستثير غرائزها في اتجاه الانحراف ، وأحلامها في الخطوط البعيدة عن الواقع ، سواء كان ذلك من الناحية الفكرية ، أم من الناحية العلمية ، فيصوّر لكم الباطل بصورة الحق لتتبعوه ، ويصور الحق بصورة الباطل لتتركوه ، لأنه يحسن تجميل الصورة القبيحة ببعض وسائله ، كما يتقن تقبيح الصورة الجميلة ببعض ألاعيبه. وهذا هو العنوان القرآني العام في كل حديث له عن الشيطان ، كما في هذه الآية.