(وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فإن كل هذه المفاهيم توحي بالهول ، بما يثيره التأكيد على عزة الله واستبدال إتيان إرادة الله بإتيانه بالذات ، مما يعمق الشعور بعظمة الموقف ودقته. وهذا من الأساليب المتعارفة في القرآن في كل ما يستعمله من أساليب حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه في موضعه ، كما في قوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] وقوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : ٢٢] فكأن القرية بكل أحجارها وأشخاصها ومعالمها تعيش الحقيقة المتمثلة فيها ، حتى كأنه في مواقع السؤال تماما كأي مظهر عاقل من مظاهر الكون ، وكأن القيامة تلتقي بالله والملك الذين يقفون صفوفا بين يديه. فإن هذا الإيحاء بحضور الله بنفسه يوحي بالهول فوق الهول والرهبة فوق الرهبة ، بما لا يمكن أن يستوحيه الإنسان من خلال تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية بالأسلوب العادي البسيط. وإذا حدث مثل هذا الإحساس العميق بالرعب في نفسه ، كان الانضباط العملي منسجما مع المستقبل الحيّ الذي يريده الله للإنسان بعيدا عن كل انحراف والتواء وتمرّد.
وقد تشير الآية إلى سنّة من سنن الله التاريخية في المجتمعات والأمم التي تعيش التمزق الداخلي ، والتمرّد العملي ، والانحراف عن خط الله ، فإن الله ـ بمقتضى سنته في عباده ـ ينزل العذاب عليهم ، مما يعني أن هؤلاء القوم الذين يريدون تمزيق الأمة ، ويرفضون الدخول في السلم ، سوف يصيبهم العذاب كما أصاب الآخرين.
وقد ذكر بعض المفسرين أن الاستفهام هنا إنكاري ، فإن الآية تخاطب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وتقول معقبة على الآيات السابقة : أليست كل هذه الدلائل والآيات والأحكام الواضحة كافية لصدّ الإنسان عن الانزلاق وإنقاذه من براثن عدوه المبين «الشيطان»؟.
هل ينتظرون أن يأتي الله إليهم مع الملائكة في وسط غمام ذي ظل ليطرح عليهم دلائل أوضح ، أو ليواجهوا الغيب في رؤية حسّية تمنحهم وضوح