منبثق منه ومنطلق عنه. أما الملائكة ، فهم الذين يحملون العذاب عند ما يصدرون به عن أمر الله. هل ينظرون إلا أن يأتيهم العذاب؟! فإذا كانت هذه هي رغبتهم وتفكيرهم ، فهل يعرفون النتيجة؟ هل يعتقدون أن إتيان الله والملائكة في ظلل من الغمام ـ كما يتصورون ـ يترك مجالا للانتظار وللمراجعة؟ هل يعرفون أن معنى حدوث ذلك هو وصول الأمر إلى درجة الحسم النهائي الذي لا رجعة فيه؟.
(وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي فرغ منه ، وهو المحاسبة وإنزال أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، وقيل : معناه وجب العذاب ، أي : عذاب الاستئصال ، وهذا في الدنيا ، كما في مجمع البيان (١).
(وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) في الثواب أو في العقاب ، كما كانت الأمور كلها إليه في الابتداء ، لأنه المهيمن على الأمر كله في الدنيا والآخرة.
وقد نستوحي من هذه الفقرات المثيرة في الآية ، أن القرآن يريد أن يثير أجواء الخوف في داخلهم من خلال هذا التساؤل : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ).
جاء في تفسير الكشاف : «فإن قلت : لم يأتيهم العذاب في الغمام؟ قلت : لأن الغمام مظنة الرحمة ، فإذا نزل منه العذاب كان الأمر أفظع وأهول ؛ لأن الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أغمّ ، كما أن الخير إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أسرّ ، فكيف إذا جاء الشر من حيث يحتسب الخير؟! ولذلك كانت الصاعقة من العذاب المستفظع لمجيئها من حيث يتوقع الغيث. ومن ثمة اشتد على المتفكرين في كتاب الله قوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)» (٢) [الزمر : ٤٧].
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٥٣٩.
(٢) تفسير الكشاف ، ج : ١ ، ص : ٣٥٣.