وثالثا : إنه لا موجب للإحباط بعد انطلاق كل منهما من موقعه الداخلي في النفس الإنسانية ، مما يفرض أن يأخذ كل واحد منهما دوره في واقع الإنسان من خلال عدم ارتباط أحدهما بالآخر ، أو غلبته عليه. فلا وجه لإلغاء أحدهما الآخر. وهذا هو المنهج العقلائي الذي جرى عليه العقلاء بفطرتهم التي خلقها الله فيهم في الجزاء على الحسنة بشكل مستقل كما لو لم تكن هناك سيئة ، والجزاء على السيئة بشكل مستقل ، كما لو لم تكن هناك حسنة ، وذلك من خلال السيئات والحسنات التي لا تحمل مدلولا مميزا ، بحيث يلغي الأساس للآخر كله ، أما في العمل الذي يقطع العلاقة بين الإنسان وربه كالكفر والارتداد ، فإنه يقطع المسألة من جذورها التي لا تبقي للحسنة أية قابلية للبقاء في حساب الأعمال.
وهناك قائل بأن الأعمال تبقى على حالها في آثارها العامة والخاصة ، ولكن الحسنة قد تكفر السيئة ، كما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال : ٢٩] ، وقوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) [النساء : ٣١] وقوله تعالى في تبديل السيئة بالحسنة : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفرقان : ٧٠]. وقوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) [هود : ١١٤]. وهذا أمر قريب إلى المنهج الإسلامي الذي يلتقي بالعفو والمغفرة والتوبة التي قد تكون كلامية ، وقد تكون عملية بتبديل الخط العملي من السلب إلى الإيجاب.
وذهب صاحب البحار العلامة المجلسي في بحار الأنوار إلى ثبوت سقوط الثواب بكفر يستمر إلى نهاية العمر ، وسقوط العقاب بإيمان يستمر حتى الموت. والأخبار كثيرة بشأن هبوط كثير من الطاعات عن طريق كثير من