وذهب أبو حنيفة ومالك إلى الرأي الأول ، فتكون الردة محبطة للعمل ولو رجع صاحبها إلى الإسلام ، وذلك من خلال قوله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [الزمر : ٦٥] وقوله تعالى : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ٨٨] وقوله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) [المائدة : ٥] فقد علق فيها الحبوط بمجرد الشرك. وإذا كان الخطاب الأول للنبي ، فإن المقصود به أمته لاستحالة ذلك عليه. وناقشوا الاستدلال بالآية بأنها واردة في بيان حكمين : الحبوط والدخول في النار ، فلا تكون دليلا على شرطية ذلك للحبوط في ذاته ، وقد رد الشافعي على الاستدلال بآية الشرك بأنها واردة في باب التغليظ على النبي كما غلظ على نسائه في قوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) [الأحزاب : ٣٠].
وتظهر ثمرة الخلاف في من حج ثم ارتد ثم أسلم. فقال مالك وأبو حنيفة : عليه الحج لأن ردته أحبطت حجه. وقال الشافعي : لا حج ، لأن حجه قد سبق. والردة ليست محبطة إلا إذا مات على كفره.
ونحن نلاحظ أن الآيات التي تحدثت عن الشرك كانت تتحدث عن المبدأ كعنوان للإحباط ، بقطع النظر عن التفاصيل ، أو ربما يستفاد منها أن يكون مشركا في مقابل المؤمن بما يوحي بالاستمرار ، أما آية : (فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ) فهي متعرضة للحبط ، أما الخلود في النار فهو حكم آخر وليست المسألة على أساس القيد والمقيّد ؛ والله العالم.
وقد نستفيد احتفاظ الإنسان بعمله الصالح حتى لو أعقبته السيئة من قوله تعالى : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ