فإن هذه الآيات تشير إلى المؤمنين الذين كفروا بعد إيمانهم ، وازدادوا كفرا بحيث امتد كفرهم إلى نهاية حياتهم ، وتتحدث عن عذابهم الذي ينتظرهم في الآخرة ، وعن عدم قبول توبتهم لعدم جديتهم فيها ، أو في إيمانهم بالآخرة ، بمعنى عدم حصولهم على نتائج التوبة ظاهرا ، وتستثني آية (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة : ١٦٠] فتتحدث عن غفران الله لهم ورحمته ، وهذا دليل على قبول توبتهم. وإذا كانت الروايات تختلف بين رواية تحملها على أهل الكتاب ، ورواية تحملها على المرتدين من المسلمين ؛ فإن الظاهر منها هو الإطلاق الذي يشمل حالة الارتداد بعد الكفر.
وربما كان مبدأ قبول توبة المرتد ، من ناحية إيحائية ، واضحا في الآية التالية وهي قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [آل عمران : ٩١] حيث مضمونها يلتقي بمضمون آية البقرة في اعتبار العذاب الأخروي ، الذي ينطلق من واقع الإنسان في الدنيا ، مشروطا بالموت كافرا ، الأمر الذي يوحي بأن هناك فرصة للتوبة. وإذا كانت هناك فرصة للتوبة ، فهناك فرصة للاستتابة من قبل الحاكم الشرعي ، لأنه لا معنى لتشريع المبدأ من دون أن يأخذ طريقه في حياة الناس.
وقد جاء في سورة النساء قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) [النساء : ١٣٧] وفي هذا إيحاء بأن المشكلة في مصير هؤلاء هو إصرار هم على الكفر في الدنيا حتى الموت ، فإذا رجعوا عن الكفر وآمنوا من جديد ، فلا مشكلة لهم عند الله في الدنيا والآخرة. ولا فرق في ذلك بين المرتد الفطري الذي ولد على فطرة الإسلام من أبوين مسلمين ، والمرتد الملّي الذي كان كافرا ثم أسلم ثم كفر ، فإن الآيات ـ بأجمعها ـ توحي بقبول التوبة منهم من قبل المجتمع الإسلامي