الغيبة في إظهار عيب الظالم ، كما جاء الاستثناء في مقام النصيحة للمؤمنين ، لأن إغلاق باب النصيحة في التحدث عن عيوب الإنسان الذي قد يقع الناس في مشاكل كثيرة نتيجة كتمان عيوبه ، أكثر من مشاكل الحديث السلبي عنه ، وفي مقام تجاهر الإنسان بالفسق الذي تمثل الغيبة وسيلة من وسائل الضغط عليه ، وإبعاد الناس عن التأثر به من أجل إصلاحه أو إنقاذ الناس من أضراره ، وفي مقام تترّس الكفار في الحرب بأسرى المسلمين ، ليمنعوهم من الهجوم عليهم ، خوفا من تأدية ذلك إلى قتل إخوانهم ، وبذلك يفقد المسلمون فرصة النصر ، فأجاز الإسلام قتل الأسرى المسلمين إذا توقف النصر أو الدفاع على ذلك ، وهكذا نجد ذلك في كثير من الموارد الشرعية.
وهذا باب ينفتح على أكثر من قضية من قضايا الناس العامة والخاصة ، التي قد تؤكد الكفرة القائلة بأن الغاية الكبرى تبرر الوسيلة المحرمة ، بمعنى أنها تجمدها وتنظفها من خلال ارتباطها بسلامة الخط العام ، فلا يتجمد الإنسان المسلم في أخلاقياته إذا تحولت إلى خطر على حياته أو على مصير الإسلام والمسلمين ، كما لو أريد له أن يتحدث ، وهو في سجن الكافرين والمستكبرين ، عن أسرار المسلمين السياسية والأمنية والاقتصادية التي يمثل إظهارها خطرا على السلامة العامة ، فيجب عليه في هذه الحالة ، أن يكذب من أجل حماية القضية الكبرى ، ويحرم عليه الصدق الذي يؤدي إلى السقوط الكبير ، لأن الكذب يمثل القيمة السلبية الأخلاقية ، كما يمثل الصدق القيمة الإيجابية الأخلاقية في الخط العام.
لا يجوز للإنسان أن يكذب باختياره ، بل يجب عليه أن يأخذ بالصدق في أحاديثه في الحالة الطبيعية العامة ، لكن الحالات الطارئة الضاغطة تفقد الكذب سلبيته ليكون قيمة إيجابية كما تفقد الصدق إيجابيته ليكون قيمة سلبية ، لأن المسألة في السلب والإيجاب لا تنطلق من الطبيعة الذاتية للصدق والكذب ، بحيث يكون علة تامة للسلب هنا أو للإيجاب هناك ، بل تنطلق من