يمارس قيادة السيارة أو غيرها ، أو يحمل السلاح ، أو يعيش في بيته مع أطفاله ، ليتجنّب المجتمع من نزوات السكّير وانحرافاته ، كما تفعله مع الذين يفقدون عقلهم نهائيا ، في مدة قليلة أو كثيرة. هذا في الخمر.
وأمّا القمار ، فقد نجد فيه ـ إلى جانب ما ذكرته الآية السابقة ـ انحرافا اجتماعيا خطيرا ، عند ما يتحول الإنسان إلى كسب قوته من طريق القمار تاركا العمل وراء ظهره ، مما يفقد المجتمع معه طاقة كبيرة أو صغيرة نافعة ، ويؤدي ـ بالتالي ـ إلى تدمير حياة المقامر وحياة أسرته ، لأنها لا ترتكز على أساس متين لاعتمادها على «الشطارة الذهنية» للمقامر أو على غباء ملاعبه.
وهكذا تنتهي عملية التوازن بين الربح والخسارة إلى انخفاض نسبة الربح بشكل كبير جدا ، بإزاء ارتفاع نسبة الخسارة بشكل مماثل أو أكبر ، ليضع القرآن الناس أمام الحقيقة الكبيرة التي غفلوا عنها ، تماما كما يفعل الذين يتذوقون حلاوة السم ، فينشغلون بلذّة الحلاوة عما في السم من خطر مميت على الحياة. ثم يوحي ـ من خلال ذلك ـ إليهم ، بأن التشريع ، في ما يخطط من تحريم وتحليل ، لا ينطلق من نقطة العبث والالتذاذ بتقييد حرية الآخرين ، بل تبدأ انطلاقته وتنتهي في حدود مصلحة الإنسان الخاصة والعامة. فلا تحريم إلا عند ما تكون المفسدة أقوى من المصلحة ، ولا تحليل إلا عند ما تكون القضية على العكس ، سواء في ذلك ما اعتاده الناس وما لم يعتادوه ، لأن الحرية في التشريع الإلهي ليست مزاجية تخضع لانفعالات المزاج في حالات اللذة والألم ، بل هي واقعية أساسية تخضع للمصالح والمفاسد الحيوية للإنسان في حركة الحياة وقاعدتها الرئيسية.
وعلى ضوء ذلك ، فإن القرآن لم يزد شيئا على تقرير هذه الحقيقة الواقعية في الخمر والميسر ، فلم يقل لهم ما يجب عليهم أن يفعلوه بل ترك الأمر للإحساس الفكري الصافي ببداهة النتيجة التشريعية التي تلتقي بالحكم