إلى الإسلام ، انطلاقا من أسلوبه العقلائي الموضوعي القائم على احترام عقل الآخر وموقعه وانتمائه بحيث تكون قضية الصراع قضية تجاذب فكري ، وحركة إنسانية في دارسة الأفكار المختلفة ومناقشتها ، والتأكيد على أن الحوار الموضوعي هو الأسلوب المنتج في إيصال الناس إلى مواقع الحق في قناعاتنا الفكرية.
وهو أسلوب تربوي لا بد من تحريكه في خط المنهج التربوي ، الذي يربي الإنسان المسلم على أن لا ينظر إلى الأمور من جانب واحد ، لتكون الحياة دائرة بين الأبيض أو الأسود بشكل مطلق ؛ فلننظر إليها من كل جوانبها ، فهناك الواقع الذي يحمل اللونين معا ، اللذين قد يلتقي أحدهما مع الآخر بدرجة متساوية ، وقد يغلب أحدهما الآخر فيعطي للفعل أو للشيء صورته الغالبة ، الأمر الذي يفرض على الإنسان أن يوازن بين الجوانب ، ليكون اختياره منطلقا من دراسة مقارنة ، فلا يخضع للحالات الانفعالية السريعة ولا للنظرة الارتجالية العابرة ، بل يخضع للعمق الفكري الذي ينفذ إلى جوهر الشيء ولا يقتصر على سطحه ، فيكون اختياره خاضعا للنتيجة الحاسمة في هذه الموازنة بين الأمور.
وهذه الآية توحي بفكرة عامة وهي أنه ليس هناك إيجاب مطلق أو سلب مطلق في الحياة ، لأن كل ما في الكون من موجودات وأفعال هو محدود بحدوده الذاتية والزمانية والمكانية. والله ـ وحده ـ هو المطلق ، لذلك ليس هناك خير لا شر فيه ، ولا شر لا خير فيه. فقد يختزن الخير بعض الشر في ذاته ، وقد يختزن الشر بعض الخير في مورده ، لأن طبيعة الحدود تفرض ذلك ، فتكون خيرية الشيء برجحان جانب الخير فيه كما تكون غلبة الشر برجحان جانب الشر فيه ، ولا قيمة للعنصر المغلوب أو الضعيف هنا في مسألة التشريع.
إن هذه النقطة لا بد من التركيز عليها في ما يواجهه المسلمون من النقد ،