المال والاستيلاء عليه من جهته ، (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) أي : تلقوا بها إلى القضاة الذين ينظرون في قضايا الناس لإصدار الأحكام فيها ، وذلك قد يكون برشوة الحاكم الجائر المنحرف للحكم بالباطل ، وقد يكون بتقديم القضايا للمحاكم من خلال الحجة الباطلة ، والبينة الكاذبة ، والضغط القاسي ، واليمين الكاذبة ، للوصول إلى أخذ المال من غير حق بفعل الأساليب غير المشروعة. وقد روى المفسرون عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال للخصمين : «إنما أنا بشر وأنتم تختصمون إليّ ، ولعلّ بعضكم ألحن (١) بحجته من بعض ، فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذن منه شيئا ، فإنما أقضي له قطعة من نار. فبكيا وقال كل واحد منهما : حقي لصاحبي ، فقال : اذهبا فتوخيا ، ثم أسهما (٢) ، ثم ليحلّل كل واحد منكما صاحبه» (٣).
وربما كان الظاهر من سياق الاية ـ على ما يخطر بالبال ـ أن المشكلة تتصل بالإدلاء بالأموال إلى الحكام ، بحيث تكون المسألة اتفاقا بين الاكل والحاكم للحكم بالباطل بواسطة الرشوة ونحوها ، لأن الاية تدل على الإدلاء بالأموال إلى الحاكم بمعنى تقريبها منه وجعلها في تصرفه ، ليحكم بها على مزاجه من خلال ما يقدم اليه منها من الحصة أو الرشوة. وهذا هو المستفاد من رواية الإمام الصادق عليهالسلام الثانية التي ذكرناها في صدر تفسير الاية. وفي ضوء هذا لا مجال للاستدلال بالحديث المروي عن النبي محمد صلىاللهعليهوآله على عنوان الاية ، والله العالم.
(لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ) من خلال الوسائل غير المشروعة
__________________
(١) ألحن : أفطن وأعرف وأقدر عليها من صاحبه.
(٢) أسهما : اقترعا أي : اقصدا الحق في القسمة وليأخذ كل منكما ما تخرجه القرعة من النصيب.
(٣) تفسير الكشاف ، ج : ١ ، ص : ٣٤٠.