علم أن في الأمة حكاما يجورون. إلّا أنه لم يعن حكام أهل العدل ، ولكنه عنى حكام الجور. يا أبا محمد أنه لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكام أهل العدل فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له ، لكان ممن حاكم إلى الطاغوت ، وهو قول الله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) [النساء : ٦٠] (١).
وفي المجمع قال : روي عن أبي جعفر محمد الباقر عليهالسلام : «يعني بالباطل اليمين الكاذبة يقتطع بها الأموال» (٢).
وهذا المنهج في التفسير جاء وفق الأسلوب الذي اتبعه أئمة أهل البيت عليهمالسلام في التفسير بالمصداق للإشارة إلى المفردات التي ينطبق عليها العنوان العام ، من دون تخصيص الاية بهذا المورد أو ذاك. وهذا ما نلاحظه في هذه الروايات التي فسرت الباطل بالقمار تارة واليمين الكاذبة أخرى ، كما استوحت الرواية الثانية من الاية قضية التحاكم إلى حكام الجور والامتناع عن التحاكم إلى حكام العدل ، لأن أولئك قد يحكمون بغير الحق بالرشوة التي قد يطلبها الحاكم ويقدمها المرتشي إليه.
(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) أي : لا يتملك أيّ واحد منكم المال الذي لا يستحقه ، وذلك من خلال الوسائل غير الشرعية التي لا يرضها الشرع ولا يقبلها العقلاء ، سواء كان ذلك بالغصب والظلم أو القمار ونحوه ، فإن مسألة الحق في المال خاضعة لأسباب معينة جرى عليها العقلاء في الواقع الاجتماعي والاقتصادي في المعاملات العامة والخاصة ، وأمضاها الشارع أو لم يردع عنها ، مما يجعل الوسائل الأخرى تقع في حيّز الباطل الذي يحرم أكل
__________________
(١) الكافي ، ج : ٧ ، ص : ٤١١ ، رواية : ٣.
(٢) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٥٠٦.