الأوضاع الثورية التي قد تتفجر بها التطورات السياسية ، وفي ما ينحرف به السلوك في مجالات التطبيق الفردي والجماعي ، فإن على المسلم أن لا يندفع مع التيارات المتحركة في الساحة بعيدا عن حكم الله ، انطلاقا من الحالات الانفعالية في الثورة على الظلم والظالمين ، فإن تحطيم الظلم لا يمكن أن يحصل بظلم جديد آخر ، بل لا بد من أن ينطلق من موقع العدل المتمثل بالتشريع الإسلامي.
وقد تعرضت الاية ، في حركة التطبيق العملي لهذا الخط ، إلى ما يتعارف بين الناس من بذل الأموال لحكام الجور على طريق الرشوة ، من أجل أن يحكموا لهم بالباطل في ما يتنازعون فيه من قضايا الأموال والحقوق ، وما يقدمونه ضد بعضهم البعض من دعاوى باطلة ، فإن الاية تشجب هذا السلوك وتنبّه الناس إلى أن لا يقدموا أموالهم إلى الحكام على سبيل الرشوة ، من أجل أن يأكلوا فريقا من أموال الناس بالطرق غير الشرعية التي لا يكسب الإنسان منها إلا الإثم والعذاب عند الله ، الذي يعلمونه حقا في ما أوحاه الله إلى أنبيائه ورسله.
وفي الاية لفتة موحية إلى الحكام بطريق غير مباشر ، في أن يمتنعوا عن أخذ ذلك ، باعتبار ما فيه من تزييف للحق بالباطل ومن الحكم بالمال إلى غير مستحقه ، مما يؤدي بهم إلى عذاب الله من جهة وإلى ضمان المال من جهة أخرى. وقد وردت الأحاديث الكثيرة التي تفيد أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال «لعن الله الراشي والمرتشي والماشي بينهما» (١) بالرشوة ، وفي بعضها أن الرشوة كفر بالله العظيم ، وفي بعضها أنها شرك.
وقد يكون من بين الموارد التي تشملها هذه الاية ـ ولو بالإيحاء ـ ما يتعارف عليه بعض الناس من توكيل بعض المحامين ، ليدافعوا عن الدعاوي
__________________
(١) البحار ، م : ٣٧ ، ج : ١٠١ ، ص : ٤٣٦ ، باب : ٣ ، رواية : ١١.