في تعميق الفكرة في وجدان الإنسان ، لأنك في الجواب تحدث السائل عن نفسه عند ما تعالج أسباب حيرته ، فتفتح له أبواب المعرفة في ما يجهله ، مما يجعله ينجذب إلى الكلمة انجذابا وجدانيا بفكره وشعوره ، لأنها تمثل ردّ الفعل لكلمته ، ومفتاح الحل لمشكلته ، فلا يستسلم في انفتاحه على الجواب لأية حالة شرود أو ذهول أو غفلة ، لأن الإنسان لا يسأل عادة إلّا عن الأشياء التي تضغط على وجدانه وتنطلق من عمق اهتماماته ، بينما نجد هذا الإنسان لا يندفع بمثل هذا المستوى لسماع محاضرة أو درس أو نقاش بين اثنين ... فقد يقف موقف اللامبالاة ، أو يستسلم لبعض الشرود الفكري أو الذهول الروحي ، أو يبتعد عن الجو كليا من خلال قضايا أخرى أكثر أهمية من هذه القضية أو تلك.
ولهذا نجد أن القرآن لم يكتف بالجواب عن الأسئلة التي يقدّمها الناس إلى النبي ، بل بادر إلى أن يطرح الأسئلة على الآخرين ، فقد تعددت الآيات التي فرضت الأسئلة التي لو أطلقت أمام الناس الذين قد يكفرون أو يشككون ، لانطلق الجواب من عمق الفطرة في إجابة حاسمة تؤكد أصالة الإيمان في الفطرة كقاعدة للمنهج في حركة التفكير ، وذلك في قوله تعالى :
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [العنكبوت : ٦١].
وقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [العنكبوت : ٦٣].
وقوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) [الأنعام : ٤٦].
وقوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ