الإنسان المؤمن في نفسه ودينه ، كان للمسلمين الحق في تجاوز الحرمات العظيمة أمام الحرمة الأعظم ، على ما هي القاعدة الإسلامية التي يغلب فيها الجانب الأقوى في المصلحة على الجانب الأضعف. ومن هنا تأتي الاستثناءات التي تخرج بعض الأمور من القاعدة العامة في أي حكم شرعي. ولو لا ذلك لأمكن للفئات الباغية أن تستغل حرمة بعض الأمكنة والأزمنة ، لتحارب الإسلام في قوته انطلاقا من عدم قدرة المسلمين على الرد نظرا لحرمة الشهر أو المكان ، مما يوجب تقدم تلك الفئات في مواقع القوة على الإسلام والمسلمين. وهذا ما عبرت عنه الآية الكريمة : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ).
ولما كانت هذه الحالة التي يمارس فيها المسلمون القتال في المسجد الحرام دفاعا عن أنفسهم ، استثناء ، فلا بد من أن تقدّر بقدرها وذلك في مجال عدوانهم على المسلمين. (فَإِنِ انْتَهَوْا) وكفّوا عن القتال في هذا المكان المقدس ، فيجب أن يتوقف القتال عند ذلك لزوال السبب الذي أباحه في هذا المكان الحرام. ويمكن أن يكون التعليل بقوله : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) على أساس وضع السبب موضع المسبب إعطاء لعلة الحكم ـ كما في تفسير الميزان (١) ـ فإن غفران الله ورحمته هما الأساس في جواز أي عمل يريده الله في أي شأن من شؤون الحياة. أي يجوز لكم الامتناع عن قتالهم ، لأنه لا يبقى بعد ذلك أي سبب له ، فكان الله يغفر لكم ويرحمكم بالكف عنهم والله العالم. وربما فسر قوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا) بالانتهاء عن الكفر بالتوبة منه ، فيكون قوله: (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) دالا على أن الله يقبل توبة المشرك ويغفر له ذلك ويرحمه بعده ، ويكون مسلما ، له ما لهم وعليه ما عليهم.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ٦٣.